أليس نيل.. أن ترسم ضدّ التمييز

31 أكتوبر 2022
(مقطع من عمل لـ أليس نيل، من المعرض)
+ الخط -

خلال بحثها، عام 2005، عن مستندات ووثائق حول الفنانة الأميركية أليس نيل (1900 ــ 1984) لتدعيم نصٍّ كانت تكتبه عنها، عثرت جيني هولزر (1950)، وهي أيضاً فنانة أميركية، على ملفّ لِنيل في أرشيف "مكتب التحقيقات الفيدرالي" (أف بي آي). وكان الملفّ يضمّ، بحسب هولزر، معلوماتٍ وملاحظات تتعلق بمواقف نيل السياسية، وهي التي عُرفت بتوجّهها اليساري، ودفاعها عن المضطهدين والمهمّشين، إضافة إلى زواجها بالفنّان الكوبي كارلوس إنريكي غوميز، الذي عاشت معه في هافانا لسنوات، قبل أن يعودا للعيش في الولايات المتّحدة. وإذا كان اكتشافُ ملف "أف بي آي" يدلّ على شيء، فهو على أهمّية السياسة، والالتزام السياسي والاجتماعي، في تجربة الفنانة، وهو موضوع يخصّص له "مركز جورج بومبيدو الثقافي" في باريس معرضاً بعنوان "أليس نيل: نظرة ملتزِمة"، افتُتح في الخامس من الشهر الجاري ويستمرّ حتى السادس عشر من كانون الثاني/ يناير 2023.

من خلال أكثر من سبعين لوحةً ورسمةً وضعتها نيل في مختلف مراحل تجربتها، إلى جانب العديد من الوثائق، كالرسائل والمقالات، يسلط المعرض الضوء على مواقف الفنّانة ضد التمييز الطبقي والعنصري أو الجندريّ في بلدها، والطريقة التي عالجت فيها هاتين المسألتين في أعمالها. حيث انتبهت مبكّراً إلى قدرة التصوير الفنّي على التعبير عن مسائل ساخنة، مثل العنصرية، واضطهاد النساء والأقلّيات والفقراء، وهو ما كان دافعاً لها لرفض أشكال فنّية كانت شائعة حين دخلت عالم الرسم -مثل الانطباعية والفنّ التجريدي- مفضّلة الواقعية، التي تعرّفت إليها في أعمال فنّاني حركة "مدرسة آش كان"، إحدى أبرز حركات "الواقعية الأميركية". 

عُثر على ملفّ حول مواقفها السياسية في أرشيف الـ"أف بي آي"

كذلك إنّ إقامة الفنانة في هافانا، واحتكاكها لسنواتٍ بالأجواء الثقافية والفنية الفكرية هناك -التي كانت معروفة بمواقفها النقدية لأشكال الهيمنة والتسلّط واستغلال الفقراء واضطهاد الأجانب- ترك أثراً كبيراً على فنّها. وإضافة إلى هذه التأثيرات، جاء فقدانها لطفلتها سانتيانا قبل أن تكمل عامها الأول، ليشكّل ثالث عامل أساسي في تجربتها، وهي واقعةٌ تركت أثراً كبيراً في حياتها وأعمالها اللاحقة، وسبّبت دخولها لفترة إلى مصحّة نفسية (بعد أن حاولت الانتحار)، قبل أن تعود، بعد شفائها، لتُعالج مسألة الفقد هذه في العديد من أعمالها.

فقدٌ قرّبها أكثر من ثيماتها المفضّلة منذ شبابها: معنى الأمومة، ورفْض الظلم والخسران والسكوت عن الحيف، ما تمظهر في العديد من لوحاتها ومَعارضها اللاحقة، التي كثيراً ما تصوّر فيها نساءً إلى جانب أطفالهنّ، أو وحيدات في اللوحات، ينظرن إلى المشاهد نظرةَ تحدٍّ حيناً ولا مبالاةٍ حيناً آخر.

ويرى العديد من النقّاد المتخصّصين في أعمالها وفي الحركات النسوية أن نيل لعبت دوراً في تحرير المخيال حول النساء اللواتي رفضت تجسيدهن في بورتريهاتها بوصفهنّ جسداً للرغبة فقط، أو شيئاً جامداً، بل صوّرتهنّ بكلّ التركيب الذي تقوم عليه حياتهنّ، مبتعدةً في تناولها لأجسادهنّ عن التجميل المصطنَع.

ويُحسب للفنّانة اهتمامها بتصوير شخوص لا ينتمون بالضرورة إلى بيئتها الأقرب، حيث رسمت مهاجرين وعمّالاً وأفراد عائلاتٍ أفرو ــ أميركية، وهو أمرٌ لم يكن شائعاً في أربعينيات القرن الماضي وخمسينياته في الولايات المتّحدة التي كانت لا تزال تعيش بقايا التمييز العنصري ضدّ ذوي البشرة السوداء.

المساهمون