يكاد تاريخ الفلسفة يبدو، في عيون غير المطّلعين أو المختصّين، أشبه بإعادة لا نهائية للأسئلة الميتافيزيقية والوجودية والأخلاقية والمنطقية ذاتها، مع مقترحات متشابهة أيضاً للإجابة عنها: أسئلة وأجوبة عن الذات والغرض، الزمان والمكان، الخير والشر، الصحيح والخطأ، الصداقة، الحب، الجمال، إلى آخره من قائمة لا تكاد تنتهي.
غير أن رؤيةً كهذه لا تظلم الفلسفة فحسب بما هي تفكيرٌ بكلّ شيء تقريباً، بل إنها لا تُعطي بالاً للتاريخ، ولتاريخ الفلسفة تحديداً وتمرحله. ذلك أن هذه الثيمات والمواضيع ــ التي يُحسَب أنها مكرّرة ــ لم تُولَد دفعة واحدة في بدايات الفلسفة، بل إنها توالدت في محطّات متتالية، بحيث كان بعضُها يمثّل في لحظة طرحه موضوعاً جديداً وغير مطروق من قبل، بخلاف ما قد يبدو الأمر اليوم.
على إذاعة "فرنسا الثقافية" (فرانس كولتور)، يتوقّف برنامج "دروب الفلسفة"، الذي تقدّمه الصحافية والباحثة في الفلسفة آدل فان ريت، عند هذا الموضوع في سلسلة إذاعية من 16 حلقة تحمل عنوان "مواضيع فلسفية غير متوقّعة"، بحيث يجري تخصيص كلّ واحدةٍ من الحلقات لنقاش مسألة تبدو، للوهلة الأولى، مسألة لا علاقة لها بالتفكير الفلسفي.
هكذا، توقّف البرنامج في حلقته الأولى ــ التي بُثّت في العاشر من أيلول/ سبتمبر الماضي ــ عند أحادي القرن (ليكورن أو يونيكورن)، هذا الحصان الخرافي الذي يمكن له، بمجرّد مقاربته فلسفياً، أن يطرح مشكلات معقّدة تدخل في صميم الميتافيزيقيا (هل أحادي القرن موجود؟ وما معنى الوجود أو عدم الوجود في هذه الحالة؟) وفي صميم التفكير المنطقي والتحليلي واللغوي المعاصر: الحديث أو الإشارة إلى مواضيع قد لا يكون لها وجودٌ محسوس.
وفي حيث توقّفت الحلقة الثانية عند موضوع غريب فعلاً، هو الشباشب، أو النِّعال المنزلية، بوصفه مدخلاً للحديث عن مسألة القبح، فإن الحلقة الثالثة قد عالجت موضوعاً بات اليوم مألوفاً أكثر، في الفلسفة الفرنسية على الأقل، وهو زرع الأعضاء أو فقدان واحدٍ منها، وهو الموضوع الذي أضاء عليه الفيلسوف الفرنسي الراحل أخيراً جان لوك نانسي، الذي أجرى عملية زرع قلب نهاية تسعينيات القرن الماضي وكتب عنها كتابين فلسفيين.
أما أحدث حلقات السلسلة، التي بُثّت اليوم، فقد تعرّضت لمسألة الطقس وتأثيره على الأفكار والميول الشخصية أو الجماعية لمجتمع ما، وهو ما فتح الباب للحديث عن مسألة فلسفية تقليدية: الحتمية واللاحتمية، أو العرَضية، ومسألة الإرادة الحرة. وقد حلّت ضيفةً خلال هذه الحلقة الأكاديمية أنوشكا فازاك، صاحبة كتاب "عِلم الأرصاد الجوية: خطابات حول السماء والمناخ، من الأنوار إلى الرومانطيقية" (2007).