رغم أنّ الهدوء هو ما تشفّ عنه النظرة الأُولى إلى لوحة مارغريتا موراليس، حيثُ الألوان الداكنة تركنُ إلى الطبيعة بتشكيلاتها البدهية، إلّا أنّ التشكيلية المكسيكية المُقيمة في برلين آثرت أن تعنونَ معرضها الأخير المُقام في بيروت بـ"قوّة اللون". افتُتحَ المعرض في الثامن من هذا الشهر في "غاليري جانين ربيز"، ويستمرّ حتى الثامن والعشرين منه؛ في محاولة من الفنّانة للانفتاح على قراءة أُخرى لمعنى "القوّة"، وكيف يمكن لصورتها أن تتجلّى تشكيلياً.
تتحرّك الدُّكنة في لوحة موراليس من الأسفل إلى الأعلى، تبدأ بما هو فرعي دائماً كالأخضر والأزرق، وتنتهي إلى اللون الأساس والأغمق، أي الأسود، أمّا الحُمرة فترصّع بشكلٍ نُقطي رؤوس الأزهار كأنّها عيونٌ على ذيل طاووس. بهذا تُصبح بعض لوحاتها عُلويّة المَركز، مع ذلك تتّخذ هذه التعددية الداكنة شكلَ البناء الواحد، ليس من السهل أن تفصل مركزها عن أطرافها، ولا أن تتحدّث عن تدرُّج لوني مُفارِق فيها.
أمّا تمثيل الألوان بكائنات الطبيعة، فليس سوى حضور كثيف لجميع خصوصيات النبات. لكنّ التوجّه صوب السواد المتعالي، يقود الأشجار بوصفها التعبير الأقرب عن الضخامة العُلوية، لتنمحي وتتّحد بذلك الإطار. وفي ذات الوقت الذي تنجدلُ صِلاتُها الأرضية مع النباتات الخُضر والصُّفر، تتحوّل في جزءٍ منها إلى أُفقٍ مديد يتبادلُ وكثافة السوادِ الأدوارَ، وأيّهما أصلٌ للّوحة.
رغم طُغيان الأسود لونياً إلا أنّه إحالة طبيعية بعيدة عن القلق
وعلى طغيان كلّ ما هو داكن من الألوان، وارتباطه دائماً بالانقباض والقلق، إلّا أنّ أعمال التشكيلية بحجومِها الكبيرة، وتراصُفِها الكلّي لا توحي بذلك، على العكس تماماً، فنسبة الإحالة إلى الطبيعة بما هي موضوع استمتاع وفرحٍ، محفوظة ضمن نسقٍ واحد تُمكنُ ملاحظته بسهولة في الأعمال كافّة. ربّما هذا هو القصد من القوّة التي ترمي إليها التشكيلية، حيثُ يمكن لما بدأ بدهياً أن ينتهي عكس ذلك: الأسود المتعالي لا يُفضي إلى العدم، والسواد الطبيعي ليس هو السوداوية النفسية المنقبِضة.
ثمّة جانب آخر لا بدّ من الإشارة إليه، وهو خلفية موراليس الثقافية، إذ طالما صُدّرت الثقافة اللاتينية على أنّها تعريفٌ واقعي للفرح ولحبّ الحياة - وإن كان في هذا الكلام مقدّمات نمطية - لكنّ الرحلة التي قطعتها الفنّانة لتعرض اشتغالاتها في بلد مثل لبنان تُبقي بالفعل على شيءٍ من ذلك الإطار، إذ لا يمكنُ الفصل ما بين العمل وحمولته الرمزية والوطنية، عليهِ فاللوحة هُنا تقول وتحكي المكسيك إنّما على طريقتها.
لا شكّ أنّ كثافة التجريد في الأعمال لا تسمح بالكشف عن العناصر الطبيعية بشكلٍ فجٍّ، ولا تحمل أيضاً معالم معيّنة في ظلّ سيطرة الحِياد على الموقف، فالتجريديّة في أحد وجوهها تتعالى حتّى على الرموز والكيانات، لكنّ السياق العامّ للمعرض يُساهم في توحيد أدوات القراءة بين المُتلقّين، ما عدا أنّ جزءاً من الحضور لديه انطباعٌ مُسبَق مفادُه أنّ هكذا نوعاً من الفعاليات يمتلك "قدرة عجيبة" على نقلنا من شواطئ شرقي المتوسط إلى ضفاف المكسيك وخليجها الشهير!