"جمعية الثقافة العربية": هشام جعيّط بين التاريخ والفكر

15 يوليو 2021
(هشام جعيّط)
+ الخط -

نظّمت "جمعية الثقافة العربية" في مدينة حيفا المحتلّة أمس الأربعاء جلسة لمناقَشة الإنتاج الفكريّ للمفكّر التونسيّ الراحل هشام جعيّط  (1935 – 2021)، شارك فيها الباحثون مهند مصطفى، وشمس الدين الكيلاني، وحسني مليطات، وقدّمها وأدار الحوار أستاذ التاريخ جوني منصور.

أشار مصطفى إلى أن جعيّط عاش عالمين؛ الأول عالم هويّته الإسلامية والعربية في أبعادها الحضارية، والثاني يتصل بكونه مؤرخاً حداثوياً استعمل أدوات التأريخ المعاصرة في دراسة وبحث التاريخ الإسلامي، وحاول مثل كثير من الباحثين الذين ظهروا منذ السبعينيات سبر أغواره بتفكير عقلاني، واستئناف ما وصلت إليه المقولات الحداثوية، بحيث يعيد التاريخ الإسلامي إلى إنسانيته، انطلاقاً من أن من صنعوه هم بشر لديهم مصالح مختلفة.

وتطرّق في ورقته "هشام جعيّط والتفكير في السياسة في التاريخ الإسلاميّ" إلى كتاب "الفتنة"، الذي يعتبر فيه المؤرخ التونسي أن ما حدث في صدر الإسلام، خلال القرن الأول الهجري، لم تكن فتنة بالمعنى التقليدي، حيث يعتقد أن الصراع بين علي ومعاوبة وسّع المجال السياسي في التاريخ الإسلامي، وأن الفتنة كانت ثورة داخل الثورة، بمعنى ثورة سياسية داخل ثورة الإسلام، أعادت فكرة الدولة إلى الأرضية الواقعية.

مصطفى: فكّك جعيّط التاريخ الإسلامي خلافاً للخطابات الوعظية في سعيّ إلى أنسنته

قرأ مصطفى من كتاب "الفتنة" الذي يرد فيه: "فالفتنة المنتهية كصراع حربي ستواصل السير في الضمائر، فقد نجم عنها التشيّع والخوارج أيضاً، والسلالة الأموية وورثتها، والفتنة كانت مولّدة للتاريخ خلافاً لفكر أخرى في إسلام القرن الأول، وهي مع ذلك، عبر ذاتها، في تاريخيتها الخاصة بها، تبقى لحظة تستحقّ الدراسة، تبقى ساحرة، كإحدى الفترات الأكثر إثارة في تاريخ البشرية، من حيث أبطالها المتصارعين، من حيث قيمها، وخطابها، ولأنها أدخلت الدين في عالم الصراع السياسي. إنها فترة مكثّفة، مميزة، متوترة، على غرار الثورات الكبرى التي هزّت البشرية.. ".

وأوضح بأن جعيّط فكّك التاريخ الإسلامي خلافاً للخطابات الوعظية، في سعي منه إلى أنسنته وإعادته إلى مساره التاريخي الواقعي، وخلافاً أيضاً لقراءات المستشرقين الذين يقاربونه بناء على نظرة مسبقة، أو محاولات إسقاط اللحظة الراهنة على هذا التاريخ. 

الكيلاني: اهتمّ جعيّط بالثقافة والمفاهيم التي تحكم المجتمع والتصاقه بجذوره التاريخية

في ورقته "قراءة في فكر هشام جعيّط"، يتحدّث الكيلاني عن صاحب كتاب "أزمة الثقافة الإسلامية" الذي ينتمي إلى الجيل الثالث من المؤرخين العرب المعاصرين، حيث اهتمّ الجيل الأول منهم بالتاريخ السياسي، والثاني ناقش الاجتماع والاقتصاد، بينما اهتمّ الجيل الثالث بالثقافة والمفاهيم التي تحكم المجتمع والتصاقه بجذوره التاريخية، وبرزوا في بلدان المغرب تحديداً.

ولفت إلى أن جعيّط ركّز على اللحظة التاريخية للإسلام وظلّ مهتماً بهذه الفترة حتى أواخر حياته، حيث أصدر كتابه "التفكير في التاريخ، التفكير في الدين"، من خلال منظوره للدين بوصفه بعداً من أبعاد الاجتماع البشري، مبيناً أثر نفوره من العلمانية "الفظّة" التي انتهجها بورقيبة في حكم تونس منذ الستينيات على جعيّط الذي اتخذ أيضاً موقفاً ضدّ تقوقع بلاده على نفسها في تلك الفترة.

وكان جعيّط ايضاً، بحسب الكيلاني، يؤمن بضروة اعتناق الثقافة العربية للحداثة من دون تردّد، مع قناعته أن حداثة الشخصية العربية الإسلامية لن تنفصل عن الدين، حيث يعبّر في دراساته الأولى المعمّقة عن النهوض العربي الإسلامي، في تحليل اجتماعي وثقافي معمّق لدور مدينة الكوفة التي تضاهي روما. كما نبّه إلى أن جعيّط في كتبه اللاحقة، أصبح يفكّر في الشخصية العربية الإسلامية مثلما هي في الواقع، وراهَن على عملية التحديث تتطلب محاولة جديّة وشجاعة، واهتمّ كذلك بالتفكير السياسي في المشرق فيها.

مليطات: تتسم مؤلّفات جعيّط بقدرته على التخيّل التاريخي الذي يفرضه الاستدلال العقلي البحت

أما مليطات، فتناول في ورقته "فكرة التاريخ في أعمال هشام جعيّط" الكيفية التي نهجها المؤرخ التونسي في نماذج من مؤلّفاته وتحديداً كتابي "الفتنة" و"أوروبا والإسلام: صدام الثّقافة والحداثة"، حيث تتسم بقدرته على التخيّل التاريخي الذي يفرضه الاستدلال العقلي البحت، والقائم على تصوّر الماضي من منظور الزمن الذي يعيشه المؤرّخ نفسه، والقائم على الالتزام بما أورده الثقاة وما حصل عليه من المادة التاريخية، وإقحام آرائه وتفسيراته التي تتضمّن الرؤية الفعلية اللازمة لزمنيْ الحدث والمؤرخ.

وأوضح أن أسلوب جعيّط في سرد التاريخ ماثل في القراءات التفسيرية التي قام بها والمبنية على المواد التاريخية الأولى التي اعتمد عليها أثناء كتابته وتأريخه للأحداث التاريخية المقصودة بأسلوب المؤرخ الناقد الذي يتعيّن عليه الكشف عن النقاط الثابتة والتفاصيل المهمة التي تساعده على تعزيز رؤيته، بالإضافة إلى العمل على تصحيح الأخطاء الواردة فيها، وإضفاء التعبيرات الحديثة التي تلازم عصره في سبيل تقريب وجهة نظره إلى المتلقي.

وخلص إلى أن كتاب "أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة" دراسة فكرية مقارنة تكشف عن مظاهر التطور والانحطاط الحضاري الذي عاشه المسملون، وتميّزت هذه الدراسة بالدمج بين الإيجاز والاستدلال والاهتمام ببنية الخطاب الفلسفي وتضمينه في التحليل الفكري التاريخي، ولذلك فإن قارئ الكتاب يجد عدداً من الاقتباسات المباشرة وغير المباشرة لآراء كبار الفلاسفة والمفكرين الغربيين من أمثال نيتشه وكارل ماركس وغرامشي.
 

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون