"بيبقى ناس".. عبير نعمة في مساحات جديدة

10 يونيو 2021
عبير نعمة
+ الخط -

قلّما جرى الالتفات في النقد الموسيقي العربي إلى ظاهرةٍ شهدها العقدان الماضيان، وحملت توقيع مجموعة من المغنّيات العربيات اللواتي ينتمين إلى جيل واحدٍ تقريباً. مغنّياتٌ أظهرن ليس أناقة في الصوت والأداء فحسب، بل في التعامل مع اللحن والكلمات، آخذات الأغنية العربية المعاصرة إلى أماكن جديدة، أكثر تمهُّلاً من المنتَج التجاري الشائع، الذي يقدّمه "النجوم"، وأكثر تطلُّباً وبحثاً ثقافياً وحتى فكرياً.

إلى هذه الكوكبة تنتمي أسماء مثل ريما خشيش، ومكادي نحاس، وجاهدة وهبي، وسعاد ماسي، وغادة شبير، وديمة أورشو، وتانيا صالح، على سبيل المثال لا الحصر. كوكبةٌ غنّت بالعربية الفصحى وبلهجات متنوّعة، لكنها أظهرت في كلّ مرّة، وفي كلّ ألبوم، عطشاً للتجديد أو إعادة النهوض بالتراث الموسيقي العربي.

تنتمي إلى هذه النخبة، وتُعَدّ من أبرز وجوهها، المغنّية اللبنانية عبير نعمة (مواليد 1980)، التي كان اسمُها مألوفاً للمتابعين بسنوات قبل صدور ألبومها الأوّل عام 2018. في العقد الذي سبق صدور هذا الألبوم، كانت نعمة معروفةً كصوتٍ تنقّل بين الأغنية المعاصرة والتراث والترانيم الروحانية والدينية. ثم جاءت أسطوانتها الأولى، "غنّي قليلاً" (2018)، التي كانت ثمرة تعاونٍ جميلة مع مارسيل خليفة. ضمّ الألبوم 14 مقطوعةً مختلفة الطول (بين دقيقتين و10 دقائق)، وأظهرت فيه نعمة قدرةً عالية على ملْء وتوشية المساحات الموسيقية التي رسمها خليفة بأدواته المعتادة، وارتياحاً في التنقّل بين القصيدة الفصحى وبين الكلمات العامية.

تذهب بعض المقطوعات إلى مساحات شعرية جديدة في العامية

بعد مضيّ عامٍ واحد فقط، أصدرت نعمة ألبومها الثاني، "حكاية"، الذي أظهرت فيه، بشكل أكبر، نوايا مشروعها الموسيقي. ألبومٌ تعاونت فيه مع عدد من الكتّاب والموسيقيين، وقامت هي نفسها بالمشاركة في جزء من ألحانه. النقلة التي شكّلها "حكاية"، يأتي ألبوم عبير نعمة الجديدة، "بيبقى ناس"، ليدفعها بعيداً إلى الأمام. الألبوم الصادر في العاشر من حزيران/ يونيو الجاري عن فرع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من "يونيفرس ميوزيك"، يضمّ ثماني مقطوعات، كلّها بالعامّيّة. 

تتنوّع أغاني الألبوم في موضوعاتها، التي يبدو بعضُها جديداً في أعمال نعمة، مثل الغناء للبنان كما في "هيدا وطني"، في حين تميل الأغنية التي منحت الأسطوانة عنوانَها إلى مساحات اجتماعية، بينما تدور بقية المقطوعات حول ثيمات الحب والاجتماع والفراق، شديدة الحضور في الأغنية العربية بشكل عام.

تمثّل أغنية "بيبقى ناس" مفاجأةً في الألبوم إن كان لناحية الثيمة التي تتطرّق إليها، أو لناحية ألحانها وتوزيها. فعلى مستوى الموضوع، تلتفت الأغنية لا إلى معاناة الفرد ومشاغله وأسئلته، بل إلى الناس الذين يحيطون به، هؤلاء الذين يبقون هنا، وتُنير ابتسامتهم، وكذلك وجودُهم، حياة الفرد.

أمّا أغنية "فلّوا"، فتتميّز، إضافة إلى لحنها الذي وضعته نعمة بنفسها، بجمالية كلماتِها (من توقيع غسّان مطر)، التي تذهب في بعض مقاطعها إلى مساحات شعرية جديدة، تذكّرنا بعدد من أجمل اشتغالات شعراء العامّية في بلاد الشام (كما هو الحال في "ومفتوح باب الثلج صار له من المبارح"، و"الليل قلبه حجر ما فيه ولا نجمة").

آداب وفنون
التحديثات الحية
المساهمون