"الفن بعد كورونا": واقع وتحولات

18 أكتوبر 2020
(غرافيتي في مدينة الدار البيضاء)
+ الخط -

تعدّدت المقاربات التي قدّمها الباحثون والفنانون في ندوةٌ افتراضية نظّمها "المركز الدولي للدبلوماسية" في الرباط مساء أمس السبت بعنوان "مستقبل الفن التشكيلي بعد جائحة كورونا"، وتناولت جوانب متعدّدة تتعلّق بتوثيق الوباء ومستقبل الفن ظل التحوّلات التي فرضها فيروس كوفيد – 19.

افتتح الفنان عثمان شملاني الندوة بتنفيذه لعمل فني في مرسمه، ثم انتقل الحديث إلى الكاتب العراقي المقيم في السويد حمودي عبد محسن، الذي اعتبر أن الفنان التشكيلي يتأمل في ما وراء الأزمة كما يشير إلى ذلك تاريح الفن، حيث أثارته ملاحظات عديدة في مقدّمتها رصد الفن حالياً لحركة الجسد، أو حضور العزلة والحجر كمؤثر في الفن ومناخاته الراهنة.

من جهته، تناول الفنان يوسف سعدون تداعيات الجائحة على الفن المغربي يرتبط بمجموعة عوامل أساسية مثل قلّة تأثيره في الواقع بسبب غياب ثقافة فنية لدى المجتمع واعتباره أمراً ثانوياً، وانحسار المنتج الفني لدى نخب تعيش داخل صالات مغلقة، وربما شكّل ذلك بعداً إيجابياً عبر دفع الفنانين إلى العمل بخارج منطق الاستهلاك، حيث ظهرت عدّة معارض جماعية عبّروا فيها عن الظروف الحالية، موضحاً في الوقت نفسه أن معاناة الفنان المغربي تضاعفت بعد كورونا بسبب توقف العديد من المشاريع والأنشطة، وإغلاق قاعات العرض. 

سرّعت الجائحة دخولنا إلى العالم الافتراضي كما كرّست مفهوم التضامن

أما شملاني فتوقّف عند إحباط الفنانين المحترفين نتيجة إغلاق الغاليريهات خلال فترة الأزمة، وتعطّل سوق الفن، والذي ولّد لديه فكرة برنامج "يوم مع الفنان" في محاولة لعرض التجارب الفنية للعامة، وكذلك للهيئات الرسمية والخاصة، وهي فرصة لإعادة تنظيم قطاع الفن التشكيلي والتفكير بمبادرات للنهوض به والتشبيك بينه وبين مؤسسات المجتمع المدني، ومعالجة الإشكاليات والعوائق التي يواجهها، ومحاولة تأسيس ثقافة جمالية فنية، داعياً إلى وضع تشريعات داعمة للفن في المغرب وهي مهمّة تقع على عاتق السياسيين.

وتطرّق الناقد والباحث شفيق الزوكاري إلى اشتغال الفنانين على موضوع الجائحة حيث كان هناك جزء من أعمالهم لا يرقى للفن التشكيلي بسبب افتقاده للاشتراطات الفنية، بالإضافة إلى ارتباط الفن بالضرورة بمشروع ثقافي وبحث بصري وليس انعكاساً لموضة أو تقليعة ما، مشيراً إلى الفنان دائم الاشتغال باختلاف الظروف وهو بالضرورة يعيش في عزلة، لذلك قد تشكّل الجائحة أمراً جديداً بالنسبة إليه، لكن يصبح موضوع تسويق الفن معضلة رئيسية في هذا الشأن.

جزء من الأعمال التي أنتحت مؤخراً لا ترقى للفن

كما تحدث الفنان مصطفى غزلاني حول تسريع فيروس كورونا لدخولنا العالم الافتراضي في طبيعة التواصل والتفاعل الإنساني، وكذلك تكرّست فكرة التضامن بين الفنانين والنقاد والمشتغلين في الفن وهي قيمة مهمة جداً، ولحظة مساءلة الذات التي تتواصل بفعل استمرار الجائحة، وهي لحظة يكاد الفنان هو بأمس الحاجة إليها.

وبيّن الكاتب والفنان المقيم في بريطانيا رزق كيران أن التحوّل الرقمي والذكاء الاصطناعي أصبح أمراً حتمياً في كلّ المجالات، يومكن ملاحظة تاثيرهما في أبسط تفاصيل الحياة اليومية، والفن ليس استثناء لكن باختلاف بين مجال وآخر، حيث أصبح التصوير الفوتوغرافي رقمياً بالمطلق خلال الفترة الأخيرة سواء في التقاط الصورة ومعالجتها وتسويقاً، لكن ذلك لن يحلّ محل الفنان خلال المدى القريب على الأقل.

واقترح الفنان يوسف سعدون أن مواجهة الجائحة في المغرب تحتاج إلى إعادة تنظيم صفوف الفنانين لتمثيل أنفسهم والتعبير عن مصالحهم، وكذلك الانفتاح على المجتمع المدني، وبناء مبادرات جادة ودائمة للتعريف بالفن وتثبيت حضوره.

يُذكر أنه يُقام على هامش الندوة معرض افتراضي ينطلق الإثنين المقبل ويستمرّ حتى الثلاثين من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، ويضمّ أعمالاً لأربعين فنّاناً من سبعة عشر بلداً.

المساهمون