"البسمة" لـ دافيد لوبروتون: صفحة جديدة في أنثروبولوجيا الجسد

10 مايو 2022
ابتسامات الشهداء، جدارية في شوارع القاهرة، 2013 (تصوير: دانيال فينان)
+ الخط -

لم تعد ثمّة حاجة للتعريف بدافيد لوبروتون، ليس في فرنسا فحسب، بل حتّى عربياً. فقد شهدت السنوات الماضية صدور ترجماتٍ للعديد من أعماله، مثل "أنثروبولوجيا الجسد والحداثة"، و"أنثروبولوجيا الألم"، و"تجربة الألم"، وكذلك "الصمت: لغة المعنى والوجود" و"سوسيولوجيا الجسد".

وكما توضح هذا العناوين، فإن الأنثروبولوجي وعالم الاجتماع الفرنسي مشغولٌ، منذ كتابه الأوّل "الجسد والمجتمع" (1985)، بمسائل التجربة الجسدية، من أحاسيس وحواسّ وتعبيرات وسلوك. تجربة كتب خلالها عن التعب والمشي والعزلة والجلد والتأنّق وغيرها من المواضيع، ولم يغادرها، خلال مسيرته الممتدّة لنحو أربعة عقود، إلّا ليبحث في ما يُعرَف بسلوكيات المخاطرة، ولا سيّما تلك التي يقوم بها المراهقون واليافعون ــ موضوعٌ يُعَدّ لوبروتون المرجع الأساسيّ له في فرنسا، وربما في أوروبا، إذ كتب حوله نحو عشرين كتاباً، آخرها صدر هذا العام بعنوان "شبابٌ وراء مقوَد السيّارة" (منشورات إريس، 2022).

وكعادته في السنوات الماضية، فإن الباحث الفرنسي لا يُنهي هذا العام من دون إصدار كتابٍ آخر ينتمي إلى انشغاله الموازي: الجسد؛ حيث صدر له، أخيراً، عن منشورات "ميتايّيه" في باريس، كتاب "البسمة: أنثروبولوجيا الملغِز".

يتنقّل بين مختلف الثقافات لتقديم أشمل صورة عن تمثّلات البسمة

يبدو الكتاب، للوهلة الأولى، استكمالاً أو مجاوَرةً لعمل سابق ألّفه لوبروتون حول الضحك (تُرجم إلى العربية بعنوان "الضحك: أنثروبولوجيا الإنسان الضاحك)، خصوصاً أن الكلمتين، الضحك (Rire)، والابتسام (Sourire)، تحملان الجذر اللغويّ نفسه في اللغة الفرنسية. غير أن الكاتب سرعان ما يكشف لقارئه عن البون الشاسع بين التعبيرين الجسديين على مستوى المعنى الذي يحمله كلّ منهما في مجتمعاتنا المعاصر.

فإذا كان الضحك مرتبطاً ــ على نحو وثيق ــ بالفكاهة واللعب مع جدّية الوجود، عبر تحويل الواقع المليء بالهموم والأسئلة إلى مكان قابل للعيش، ما يجعل منه "قيمةً" اجتماعية وشخصية في حدّ ذاته، فإن البسمة تمثّل "قيمةً مضادّة" في المجتمعات الليبرالية المعاصرة، بحسب لوبروتون، إضافة إلى كونها أقلّ وضوحاً في معانيها من الضحك، وأكثر بروداً وتهكّماً.

البسمة

وتعطي الابتسامة في لوحة الجوكندا مثالاً معروفاً على هذا الغموض: هل المرأة التي رسمها ليوناردو دي فينشي تبتسم فعلاً، أم إن تقاسيم وجهها تُحيل إلى نظرة حُزن وسوداوية؟ هذا الإلغاز في معنى البسمة هو الذي وضعها على هامش المواضيع التي درستها العلوم الاجتماعية، كما يقول المؤلّف. وتأتي الليبرالية، التي تطلب من الأفراد إظهار قدْر من الصرامة والرجولة، لتزيد من هذه الهامشية التي لطالما ميّزت فعْل التبسّم.

كعادته، يتنقّل دافيد لوبروتون، في كتابه هذا، بين مختلف الثقافات ــ من أقصى شرق آسيا إلى أوروبا وغيرها ــ في محاولةٍ لتقديمٍ أشمل صورة ممكنة عن تمثّلات البسمة ومعانيها ومكانتها في التواصل البشريّ.

المساهمون