ازدهرت الصناعة المعجمية في التاريخ العربي بعد مرحلة جمعها وروايتها شفهياً خلال عصر التدوين والكتابة في دفاتر ورسائل لغوية ومؤلّفات تختصّ في النوادر والغريب والأسماء والصفات، وكان الحفاظ عليها هو الغاية الأساسية بعد تزايد الأعاجم الناطقين بها.
عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، صدر حديثاً كتاب "التراث المعجمي العربي من القرن الثاني حتى القرن الثاني عشر للهجرة" للباحث اللبناني رمزي منير بعلبكي، والذي يقف فيه عند التنوّع الكبير في أنماط تصنيفها من حيث الموضوعات، وترتيب الموادّ، والاستيثاق من صحّتها وشواهدها، والمكانة الرفيعة والمحورية التي حظيت بها المصنَّفات المعجمية في التراث العربي والإسلامي.
في الباب الأول "بدايات النشاط المعجمي"، يبحث بعلبكي في النشاط اللغوي المبكر والعوامل التي أفضت إلى ظهور المعاجم الأولى، متناولاً الدراسة اللغويّة المبكرة، وكلام الأعراب، وجمع اللغة، وعصور الاحتجاج، ودور الغريب، وبدايات التصنيف المعجمي، مبدياً ملاحظات حول الدراسات الحديثة للمعجم العربي وأصالة التراث المعجمي العربي.
أما الباب الثاني "المعاجم المبوّبة"، فيتناول المعاجم المبوّبة، وهي التي ينطلق فيها مستخدمُها من المعنى إلى اللفظ، أي "يتحرّى اللفظ أو الألفاظ الواقعة تحت معنى ما، في حين أن الباحث في المعجم المجنَّس يبدأ باللفظ فيبحث عنه في موقعه في الترتيب فيجد معناه. والضرب المبوَّب يشتمل على الرسائل والكتب التي أُفردت لموضوع واحد - كالمعرَّب، واللحن، والأبنية ... إلخ - كما يشتمل على المؤلَّفات الموسوعية التي تضمّ بين دفّتَيها موضوعات مختلفة".
وقد جعل المؤلف في هذا الباب عدة أقسام، منها "الغريب والنادر"، و"الأمثال"، و"النبات والحيوان وخلق الإنسان"، و"المعرّب"، و"لحن العامّة"، و"الأضداد"، و"المشترك والمترادف"، و"الحروف والأصوات"، و"الأصوات"، و"الأبنية"، و"المصنَّفات الموسوعية".
يخصّص بعلبكي الباب الثالث من كتابه للحديث عن "المعاجم المجنَّسة"، وهي تلك التي يُراد بها المعجم عند إطلاقه في الاستعمال العامّ، موضحاً أن سِمَة هذه المعاجم أن مستخدمها يراجع اللفظ وصولاً إلى المعنى، وهي في الغالب - خلافًا للمعاجم المبوَّبة - تسعى إلى استيعاب جذور اللغة جميعاً، على تفاوت في مقدار إيرادها المفرداتِ المشتقّةَ من تلك الجذور.
ويتألّف الباب الثالث من ثلاثة أقسام تقابل أنواع الترتيب الثلاثة المعروفة، أي الترتيب على مخارج الحروف مع التقليبات، والترتيب الألفبائيّ، ونظام التقفية أو الترتيب على أواخر الحروف.
ويتناول في القسم الثاني "المعاجم المرتَّبة ترتيباً ألفبائيّاً"، كتاب "الجيم" لأبي عمرو الشيباني، و"جمهرة اللغة" لابن دريد، و"مقاييس اللغة" و"مجمل اللغة" لابن فارس، و"أساس البلاغة" للزمخشري.في القسم الأوّل المشار إليه "المعاجم المرتَّبة على مخارج الحروف والتقاليب"، يتناول بعلبكي "العين" للفراهيدي، و"البارع في اللغة" للقالي، و"تهذيب اللغة" للأزهريّ، و"المحيط في اللغة "للصاحب بن عبّاد، و"المحكم" و"المحيط الأعظم" لابن سِيْدَهْ.
يُختم الباب بالقسم الثالث المعنون "المعاجم المرتَّبة على نظام التقفية"، وفيه يتناول بعلبكي كتاب "التقفية في اللغة" للبندنيجي، و"تاج اللغة" و"صحاح العربية" للجوهري، و"العُباب الزاخر واللُّباب الفاخر" للصَّغاني، و"لسان العرب" لابن منظور، و"القاموس المحيط" للفيروزآبادي، و"تاج العروس من جواهر القاموس" للزَّبيدي.