يوميات أسرة مصرية فوق خط الفقر!
حسب أبسط تعريف لخط الفقر، فإنه الحدّ الفاصل بين من يملكون دخلًا شهريًّا يمكنهم من الحصول على ضروريات كلّ يوم، وبين من يملكون أموالًا لن تعينهم على تلبية أدنى حقوقهم الإنسانية في متطلبات الحياة، أو لا يملكون شيئًا أصلًا.
لكن في مصر لن يكون التعريف سوى بين خط فقر شكليّ، وخط فقر فعليّ، بين الفقراء فقرًا مدقعًا، والفقراء على الحافة، والفقراء الجدد، والفقراء إكلينيكيًّا، والفقراء جدًّا.
حسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإنّ خط الفقر القومي في مصر يبلغ 10279 جنيهًا في السنة، ما يعني أنه يخصّ من يقلّ دخلهم الشهري عن 856 جنيهًا تقريبًا، ولنقل 1000 جنيه حتى نسهّل المسألة، أي نحو 30 جنيهًا شهريًّا، أما حسب البنك الدولي مرتفع المعايير والقياس، فهو يحسب خط الفقر بـ2.15 دولار يوميًّا حسب آخر تحديث، ما يعني نحو 66 جنيهًا في اليوم، ما يعني دخلًا شهريًّا يقترب من 2000 جنيه تقريبًا. (الدولار 30.90 جنيهًا)
وبحسب تصريحات لمجلس الوزراء، مستعينةً بتقرير من وكالة "فيتش سولوشنز"، فإنّ الطبقة الوسطى في مصر، هي التي يتراوح دخلها السنويّ من 78 ألف جنيه إلى 156 ألف جنيه، أي التي دخلها نحو 6 آلاف جنيه إلى 13 ألف جنيه شهريًّا؛ أي نحو 200 جنيه إلى نحو 430 جنيهًا يوميًّا، على الترتيب. وقالت الحكومة في السياق نفسه، إنّ نسبة الطبقة الوسطى حاليًا تبلغ 34٪، وستصبح 58٪ بعد أقل من عامين، في 2025.
ومما يلي، حين نحسب مصروفات أسرة مصرية بسيطة، لها متطلبات ضرورية وحاجات أساسية في كلّ يوم من أيام الشهر، ومع افتراض أنها "فوق خط الفقر"، وتتقاضى أكثر من الحد الأدنى للأجور الذي زاد إلى 3500 جنيه، بل ولنجعلها أعلى من معدل الفقر العالمي، أي دخلها أكثر من 6000 جنيه، فإننا أمام متطلبات يومية، لأسرة محدودة من 4 أفراد، تحتاج إلى الحدّ الأدنى من البروتين، فإنها لن تستطيع بذلك المرتب كلّه إلا شراء دجاجة يوميًّا طوال الشهر، من دون إفطار، ولا عشاء، ولا خضراوات، ولا فاكهة، ولا علاج، ولا فواتير، ولا مصاريف مدارس، ولا ملابس، ولا إيجار، ولا نقل ومواصلات، ولا حفاضات للرضّع، ولا فوط نسائية للسيدات، ولا شفرة حلاقة للرجال، ولا زجاجة مياه معدنية إضافية، حتى ولو لساعة عطشٍ واحدة في الشهر!
أكلة يومية عادية بسيطة من العدس والبصل والخبز والطماطم، أو "نقنقة" سريعة من البطاطس والزيت والجبن والبيض، تحتاج إلى أكثر من 100 جنيه
أو فلنجعل الأسرة الكريمة تفطر كلّ يوم إفطارًا عاديًّا، من بيضتين لكلّ فرد، و3 أقراص طعمية، وربع طبق من الفول، وبعض الإضافات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فإنّ هذه الأسرة ستحتاج في إفطارها فقط إلى نحو 100 جنيه يوميًّا، على الأقل، ما يعني 3000 جنيه شهريًّا، أي راتب موظف في القطاع الخاص، أو راتب موظف حكومي تنقصه 500 جنيه ستذهب تلقائيًّا للمواصلات، ولن يتغدّى الموظف ولو يومًا واحدًا طوال الشهر، ولن تطلب زوجته، ولو قطرةً لعينها إن تورمت من حمل الهم والبكاء، ولن يجرؤ ابنٌ ولا ابنةٌ على طلب ممحاة جديدة بدلًا من التي ضاعت.
هذه باختصار مخلّ، هي الطبقة الوسطى في مصر، والاختصار مخلٌّ بالفعل، لأنّ الاحتياجات اليومية تزيد على أضعاف ذلك كلّه، ولأنّ أكلة يومية عادية بسيطة من العدس والبصل والخبز والطماطم، أو "نقنقة" سريعة من البطاطس والزيت والجبن والبيض، تحتاج إلى أكثر من 100 جنيه، لعدد محدود من الأفراد، الذين تتمناهم الدولة المصرية، من دون زيادة على طفلين اثنين.
وإذا حسبنا الفقراء الرسميين في مصر الذين يقدّرون بنحو 30٪ من الشعب، مع الطبقة الوسطى الشكلية التي في طريقها إلى الـ50٪ (بمن فيهم من يتقاضون 13 ألف جنيه شهريًّا)، فإنك وببساطة شديدة تستطيع الجزم بأنّ 80٪ من الشعب المصري فقراء فعليّون، "مش لاقيين ياكلوا"!
فتلاشت الطبقة الوسطى تمامًا، ودفنت رأسها تحت خط الفقر، لتختنق من الزحام الذي أسفله، ورقبتها تتدلى إليه من تحت، بينما بقيت مؤخرتها وحدها في الأعلى، تستشعر أي خوازيق جديدة، من أسعار السلع، أو سُعار السلَط.
لنكتشف معًا، ببساطة، أننا يا عزيزي أمام فقراء فوق خط الفقر، فقراء جدد، لا يدرون أصول الطبقة التي نزل إليها نصف المصريين أخيرًا، ولا يعرفون كيف يتصرّفون، ولا من الذي سيدفع في الميكروباص، وكم الأجرة، وبكم كيلو اللحم، وما سعر الدجاج البرازيلي المجمّد رديء الهيئة والطالع، بينما سيكون الفقراء القدامى خارج الميكروباص أصلًا، يبحثون عن تمشية ضرورية توفيرًا لثمن مواصلات، حتى يضمنوا بيضتين جديدتين في صباح الغد.
فقبل أن تحسب دخلك بالنسبة إلى خط الفقر القومي، وخط الفقر المدقع، وخط الفقر الدوليّ، وخط الفقر الوهميّ، وخط الفقر الشكليّ، وخط الفقر الفعليّ، لا تعبأ كثيرًا بالأرقام، ولا تهمّك النتيجة في شيء، سواء كنت فوق "الخط" أو تحته، فكلنا يا عزيزي ضحايا اغتصاب جماعيّ!