"والتز" ومحور المقاومة

23 أكتوبر 2023
+ الخط -

يرى المنظّر الأميركي كينيث والتز، الذي ساهم في ظهور نظرية الواقعية البنيوية، تلك التي ترتكز على فوضوية النظام الدولي، أنّ الحالة الطبيعية للدول هي حالةُ سباقٍ دائم، تطمحُ الدول من خلاله للحصول على أكبر قدر ممكن من القوة والسلطة اللتين يضمنان بقائها وهيمنتها. وتعتمد الدول في بقائها وفرض هيمنتها على سيادتها واستقلالها، وقدراتها وليس وظائفها، وقوّتها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية.

 وتبعًا لما يجري في فلسطين والكيان الصهيوني، فلا يمكن لهذه النظرية إلا أن تمسّ حواف هذه القضية، إلى الحدّ الذي قد تسقط فيه هذه النظرية؛ فحين الحديث عن فلسطين، تحديدًا غزة، فنحن لا نتحدث عن دولة ذات سيادة تسعى إلى تمييز نفسها وفرض هيمنتها على النظام الدولي الفوضوي، إنّما تنحصر في كونها بقعة جغرافية، تمّ احتلال جزء من أراضيها بعدما تمّ احتلال فلسطين، مما شكّل حركات تحرّرية، تسعى، بجيوشٍ غير نظامية، إلى استعادة أرضها التي احتُلت، وسعيها هذا مبرّرٌ أخلاقيًا وقانونيًا، فمن حق الشعوب أن تقرر مصيرها، ومن حقها أن تستعيد أرضها، وتحافظ على سكانها، وتستعيد سلطتها وسيادتها التي استُلبت. 

بالإضافة إلى ذلك، الجزء الذي تمّ احتلاله من أرضها، حلَّ محلّ سكانه وسيادته وسلطته كيانٌ آخر، يتمتّع بقوّة عسكرية، وتحالفٍ قويّ يحقّق توازنًا في قوّته، وتميّزًا دبلوماسيًا. هذا الكيان، تنطبق عليه نظرية "والتز"، فهو يسعى بقوّته العسكرية، وقدرته الدبلوماسية والاقتصادية، وتحالفاته، إلى ضمان بقائه، وفرض هيمنته كيفما، وعلى من يريد.

من حق الشعوب أن تقرر مصيرها، ومن حقها أن تستعيد أرضها، وتحافظ على سكانها، وتستعيد سلطتها وسيادتها التي استُلبت

فرض الهيمنة، والبقاء، هما الأساس والغاية. أمّا الوسيلة، بغضّ النظر عن شكلها وأخلاقياتها، فهي مُبرَّرة تمامًا وفقًا لـ"والتز"، وهذا الأمر يبدو واقعيًا، ولكنه في حقيقة الأمر يقود الدول للهلاك؛ فعدم الارتكاز على المبادئ والأخلاقيات، والارتكاز على ما يسمّى بقانون الغاب، الذي تتجلّى فيه الوحشيّة، وتنعدم فيه الحدود، يقود إلى "حرب الكل ضد الكل"، ولكن في هذه المرة الدول ضد الدول، وهذا يذهب بالبشرية نحو الجشع اللامحدود، ومن بعده ربما التفتّت، والانقراض. 

وبالنظر مرّة أخرى إلى نظرية "والتز"، نرى مخرجًا للفلسطينيين في تحقيق التوازن في القوى، وهذا عن طريق ما سُمّي "بالتوازن الخارجي"، ويعني تفعيل التحالفات، أو محور المقاومة؛ فهذا يمنح الفلسطينيين قوة الدول المشاركة في التحالف. وبالنظر إلى الواقع، واقع تحالفات الكيان الصهيوني، نجده مميّزًا، لا يستهان بقوته، فهو حليف "مدلّل" للولايات المتحدة الأميركية، وقد يدخل في حرب الوجود هذه لصالح الكيان، كما وأعتقد شخصيًا، أنّ من مصلحة الكيان الصهيوني أن يتم تفعيل هذه التحالفات، كي يفرض، بعون أميركي، هيمنته ويحقّق مراده في منطقة محور المقاومة، ويضمن بعدها وجوده وبقاءه سيّدًا في المنطقة. ولكن، قد لا يحدث هذا، فمثلًا قد يكون هناك "سيناريو" آخر، وهو حدوث فوضى "فوق الطاولة"، ومغامرة شرسة تدخلها المقاومة بمحورها، ولكن هذه المغامرة تقود إلى اجتثاث عصب أميركا في الشرق الأوسط، واسترجاع ما استُلب من الأرض والسلطة والسيادة للفلسطينيين.

الريماوي
محمد الريماوي
كاتب ومدوّن. خريج جامعة بير زيت. له اهتمامات في اللغة العربية والكتابة الإبداعية والشعر وكتابة الأبحاث والمقالات، ويقدّم محتوى مرئيًا ومسموعًا على منصات التواصل الاجتماعي.