نجلاء عماد.. بريق الأمل وسط الأزمات
في خضّم الأحداث المتلاحقة التي يشهدها العراق، يعاني هذا البلد من تقلبات وأزمات لا تنتهي. فمنذ أن وطئت أقدام الاحتلال أرضه، يبدو أنّ قدر العراقيين أن يعيشوا في دوامةٍ من الفوضى وعدم الاستقرار. هذا النمط من الحياة لم يتغّير، بل يبدو أنّه يزدادُ تعقيدًا يومًا بعد يوم.
في الوقت الراهن، يعيش العراقيون بين حدثين متناقضين بشكلٍ كبير، يعكس الأوّل صورةً سلبيّةً عن البلاد، حيث تمّ الكشف عن فضيحةِ فسادٍ ضخمة تتعلْق بشخص يُدعى نور زهير. هذا الرجل، الذي لم يكن له ذكر سابق، أصبح فجأة مركز اهتمام الإعلام بعد أن أُثيرت حوله قضايا فساد كبيرة. نور زهير، الذي هدّد بفضح أسماء شخصيّات سياسيّة بارزة إذا لم يتم إطلاق سراحه، أصبح رمزًا للفساد المستشري في البلاد. وبينما يعيش في الإمارات، واصل الحديث عن توّرط شخصيّات رفيعة في عملياتِ فسادٍ كبيرة، ممّا جعل قضيّته حديث الشارع والإعلام على حدٍّ سواء.
على النقيض، يبرز حدث آخر يجسّد الإيجابية والأمل. بطلة هذا الحدث هي نجلاء عماد، فتاة من محافظة ديالى، وُلِدت بإعاقةٍ حادة نتيجة انفجار عبوة ناسفة. ورغم التحدّيات التي واجهتها، من فقدان أطرافها إلى الظروفِ القاسيّة التي نشأت فيها، أثبتتْ نجلاء أنّها قوّة لا يُستهان بها. كانت إرادتها القوّية وإيمانها بنفسها، إلى جانب دعم من مدرّبها واللجنة البارالمبية العراقية، كفيلة بتحقيق إنجازات كبيرة. نجلاء، التي تمثّل رمزًا للأمل والعزيمة، أحرزت مؤخرًا الوسام الذهبي في الدورة البارالمبية في باريس، مسجّلةً إنجازًا تاريخيًا للعراق.
نجلاء عماد، عبر تحقيقها هذا الإنجاز الباهر، تُعيد تأكيد أنّ الإرادة البشرية يمكن أن تتجاوز أكبر العقبات
المفارقة بين هذين الحدثين تعكس التباين الصارخ في صورةِ العراق. من جهةٍ، الفساد وسوء الإدارة، ومن جهةٍ أخرى، الإصرار والإرادة القوّية التي تُعيد الأمل إلى الأمّة. نجلاء عماد، بما أنجزته، تُظهر للعالم أنّ العراق لا يزال يحتفظ بمقوّمات القوّة والتميّز، رغم ما يمرّ به من تحدّيات. إنّ إنجازاتها تعيد للأذهان أنّ الأمل لا يموت، وأنّ الإرادة يمكنها التغلّب على أصعب الظروف، حتى في مواجهة أكبر الأزمات.
نجلاء عماد، عبر تحقيقها هذا الإنجاز الباهر، تُعيد تأكيد أنّ الإرادة البشرية يمكن أن تتجاوز أكبر العقبات. في الوقت الذي كان فيه العراق مسرحًا للفساد والسرقات، تثبت نجلاء أنّ الأمل والإرادة يمكن أن يتجاوزا الظلام، ويحقّقا النور حتى في أحلك الظروف. إنّ نجاحها في البطولة البارالمبية ليس مجرّد فوز فردي، بل هو انتصار للقيم الإنسانية والتفاني، وهو تذكير للعالم بأنّ العراق لا يقتصر على الصورة التي يرسمها الفاسدون.
كما أنّ نجلاء عماد ليست مجرّد رياضيّة ناجحة، بل هي رمز للعزيمة والصمود، وقدرتها على تحقيق النجاح في ظلّ الظروف الصعبة تعكس روح الشعب العراقي بشكلٍ عام. إنّ هذا التناقض بين صورتي الفساد والتفوّق يسلّط الضوء على الحاجة إلى التغيير، ويؤكد أنّ الأفراد مثل نجلاء هم من يحملون الأمل في إعادةِ بناء العراق على أسسٍ جديدة.
إنّ هذا التباين بين الأحداث هو دعوة للتفكير والتأمّل، وتأكيد على ضرورةِ مواجهة الفساد بجديّة، وتقدير الإنجازات التي ترفع من شأن الأمّة. نجلاء عماد تذكرنا بأنّ هناك دائمًا جانبا مشرقا في كلّ أزمةٍ، وأنّ القدرة على التفوّق رغم التحدّيات تعزّز من قوّة الإرادة والتفاؤل.
لذا، فإنّ رسالتنا في النهاية هي أن نحتفي بأمثال نجلاء عماد، ونضع كلّ جهدنا في محاربة الفساد والظلم، لنمضي قدمًا نحو عراقٍ أفضل، حيث يكون النجاح والتفوّق من نصيب كلّ من يسعى لتحقيقه بجدٍّ وإخلاص. إنّ العراق بحاجة إلى أن يرى صورته الحقيقية، التي تتجلّى في إنجازات أبنائه، الذين لا يرضون سوى بالتميّز والنجاح.