المعارضة في العراق: تجارة سياسية أم حاجة وطنية؟
منذ إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003، لا يزال مفهوم المعارضة الحقيقية في العراق محلّ تساؤل. فهل هناك فعلاً معارضة في العراق، أم أنّ الشعارات التي تُرفع هي مجرّد غطاء لتجارة سياسية جديدة؟
للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نستعرضَ تجارب المعارضة السابقة والحالية. فقبل العام 2003، كانت المعارضة تتشكّل من مجموعاتٍ مختلفة توحّدها رغبة واحدة: الإطاحة بصدام حسين. وبعد سقوط النظام، دخلَ العراق في مرحلةٍ جديدة تتطلّب معارضة بنّاءة تسعى للإصلاح وتحقيق المصلحة الوطنية، وليس فقط لإطاحة الحكّام.
حركة تشرين التي اندلعت في العام 2019، مثّلت بصيصَ أملٍ للكثيرين. ومع ذلك، واجهت الحركة تحدّياتٍ كبيرة، أبرزها الانقسامات الداخلية. فعلى الرغم من وصول بعض نوابها إلى البرلمان، مثل "امتداد" و"إشراقة كانون"، إلا أنّ الخلافات حول كيفية التعامل مع الأحزاب السياسية التقليدية أضعفت الحركة. ورفض نوابها المشاركة في انتخابِ الرئيس الجديد، ممّا زاد من تعقيدِ المشهد السياسي.
من جهةٍ أخرى، إنّ المظاهرات التي شهدتها البلاد بين 2019 و2020، تراجعتْ بشكلٍ كبير بسبب جائحة كوفيد-19، والعنف المفرط الذي تعرّض له المتظاهرون. هذا العنف، والذي يزعم البعض أنّ بعض عناصر الأحزاب شاركت فيه، ساهم في إضعاف حركة المعارضة وإخماد أصوات المطالبين بالإصلاح.
التحالفات المؤقتة والمصالح المتضاربة أصبحت السمة الغالبة على المشهد السياسي
وفي الواقع، لم نشهدْ حتى الآن معارضة عراقية حقيقية تتبنّى أهدافًا وطنية مستقلة. فالجماعات التي تصف نفسها بالمعارضة غالبًا ما تكون مدفوعة بأجنداتٍ شخصية أو دوليّة، تتعارضُ مع مصالح الشعب العراقي. التحالفات المؤقتة والمصالح المتضاربة أصبحت السمة الغالبة على المشهد السياسي، حيث يبدو أنّ الهدف الأساسي هو الوصول إلى السلطة والثروة، وليس تحقيق العدالة والإصلاح.
وهنا، لا يمكن إغفال دور الإعلام في تشكيل وتوجيه الرأي العام حول المعارضة في العراق. فالإعلام المحلي والدولي، غالبًا ما يتناول القضايا العراقية بطرقٍ تتماشى مع أجنداته الخاصة، ممّا يزيد من تعقيدِ فهم الصورة الحقيقية للمعارضة. بعض وسائل الإعلام قد تروّج لأجنداتٍ معيّنة على حساب الحقيقة، ممّا يجعل من الصعب على المواطن العراقي العادي التمييز بين المعارضة الحقيقية والمعارضة المزيّفة.
والعراق، بموارده الغنيّة وموقعه الاستراتيجي، لطالما كان ساحةً للتنافس بين القوى الدولية. والتدخلات الخارجية، سواء كانت من دولٍ إقليمية أو قوى عظمى، لها تأثير كبير على تشكيل المعارضة وتوجيهها. هذه التدخلات غالبًا ما تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، ممّا يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويضعف من قدرة المعارضة على تحقيق أهداف وطنيّة صرفة.
التدخلات الخارجية، سواء كانت من دولٍ إقليمية أو قوى عظمى، لها تأثير كبير على تشكيل المعارضة وتوجيهها
كما أنّ الفساد المستشري في مختلف مفاصل الدولة العراقية، لعب دورًا كبيرًا في إضعافِ المعارضة. والفساد هنا لا يقتصر فقط على الجانب المالي، بل يمتدّ إلى الفساد الإداري والسياسي، حيث يتم استخدام المناصب والموارد لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الصالح العام. هذا الوضع يجعل من الصعب على المعارضة أن تجد أرضيةً صلبة للتأثير والتغيير.
في وضعٍ كهذا يبقى الأمل على الشباب العراقي، الذي يمثّل شريحةً كبيرة من السكان، ويلعب دورًا حيويًا في حركةِ المعارضة. فحركة تشرين كانت في الأساس حركة شبابية تطالب بالتغيير والإصلاح. ومع ذلك، فإنّ غياب الدعم والتوجيه المناسبين يجعل من الصعب على الشباب تحويل حماسهم إلى قوّةٍ سياسية فعالة. تحتاج المعارضة إلى دمجِ طاقاتِ الشباب وتوجيهها بشكلٍ صحيح لتحقيق تغيير حقيقي ومستدام.
ولتحقيقِ معارضةٍ فعالة، يجب القيام بإصلاحات هيكلية تشمل جميع جوانب النظام السياسي. من الضروري تعزيز الشفافية والمساءلة، وتطوير نظام قضائي مستقل، وضمان حريّة التعبير وحماية حقوق الإنسان. بدون هذه الإصلاحات، ستظل المعارضة مجرّد شعارات فارغة لا تملك القدرة على إحداث أيّ تغييرٍ حقيقي.