مقارنة بين خطابين... "الانتخابات" السورية نموذجاً (1)

06 يونيو 2021
+ الخط -

دعاني هذا المقال للتفكير في الطريقة التي تحكم العقل السوري، حيث إن سورية تتأرجح بين عقليتين: عقلية محبطة وعقلية متحدية .. ولأنني واحد ممن يعيشون في المنفى وقبل أن يكون مع صناديق الاقتراع الحرة ومع الدولة المدنية والديمقراطية، فقد قررت أن أبين أني أنتمي إلى عقلية المواجهة والتحدي وأن نبض الثورة ما زال  مستمراً، وأن أمامنا، لا ريب، متسعا من الوقت للمراجعة والتقييم والالتفاف حول زعامة وطنية حكيمة..

ما زلت أنظر إلى أن من اتهم سوريّاً ما بالخيانة فهو الخائن، لأنه يزعزع عقيدة الشعب في أكرم بنيها وهم من قالوا: لا للأسد ..

هل فت في عضدنا -معشر السوريين- صور الأسد وانتخاباته المزيفة لا.. وإذا لم نقاوم نحن هذا الضلال والسيرك السياسي، فلسوف يقع  الشعب في تأليه الطغيان.. ومن هنا تكمن قيمة خطاب الزعيم الوطني أحمد معاذ الخطيب، فما أشد فعل الألفاظ في نفوس الجماهير في مثل هذه الأوقات العصيبة..

ظهر الخطيب ليعلن للسوريين وللعالم كله: لم يرهبنا البطش، ولم يزعجنا هذا الطغيان المتلبس بثوب الديمقراطية، بل حفز من عزائمنا وقوى من روحنا المعنوية فازددنا إيماناً بضرورة تمزيق صورة الديكتاتور الكاريكاتورية..

لكن لا أخفيكم أنني أشعر بالظلم الكبير عندما أقرن اسم مواطن سوري دفع ضريبة إيمانه بالحرية، الاعتقال والهجرة والنفي والعيش في حرمان من حقوقه الطبيعية، وبين مجرمٍ دعمته التوافقات الدولية وقام مجتمع  الذلقراطية العالمي، والذي يتفنن في صناعة الرأي العام ويمتلك ما يكفي من الوسائط الإعلامية والعسكرية والاقتصادية والسياسية بتبرير كبائره، بل وبفبركة الحقائق وتزييف القيم وصناعة الذل الممدوح وتأييد خطواته متمثلة بمهزلة الانتخابات الأخيرة، والتي تتضمن الاستهانة بقضايا الشعوب المصيرية وبدعم مرتزقة دولة الذلقراطية العالمية وبقفز فوق واقع مرير مؤلم.

يلجأ الكثير من السوريين للفرار من البلاد، هناك 3.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وفي لبنان يعيش حوالي 70% من الشعب السوري تحت خط الفقر، أما في الأرْدُنّ، يعيش حوالي 93% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر

ومع هذا لا بد من وقفة تظهر كذب القاتل العظيم بشار الأسد الذي صنع بامتياز واقعاً سورياً غير مسبوق، حيث يعيش غالبية الشعب السوري في فقر، أكثر من 80% من الناس في سورية تحت خط الفقر العالمي، مما يعني أنهم يكسبون أقل من دولار واحد في اليوم كما أن الفساد منتشر في سورية، حيث تحتل سورية المرتبة الرابعة في قائمة الدول الأكثر فسادًا في العالم، تتركز الوظائف عالية الأجر في دمشق، عاصمة البلاد، ومن الصعب الحصول على وظيفة في العاصمة دون "الواسطة". "الواسطة" هي كلمة تعني "المحسوبية" أو "النفوذ" وليس المسؤولية..

وفي جانب آخر دمر النظام بسبب تصلبه التعليم، إذ أكدت الأمم المتحدة وقوع 74 غارة على المدارس، والاستخدام العسكري لـ 24 مدرسة في المدّة من يناير (كانون الثاني) إلى يونيو (حزيران) 2019، ونتيجة لذلك، ألحق القتال أضراراً بالعديد من المدارس أو دمرت بالقنابل. أكثر من 33% من أطفال سورية -أكثر من مليونين- لا يذهبون إلى المدرسة.

هناك حوالي 1.3 مليون طفل معرضون للانسحاب من المدرسة، تحاول اليونيسيف العمل على توفير التعليم للأطفال السوريين، وتقوم المنظمة بإصلاح المباني المدرسية المتضررة، وتوفر برامج التعلم في المنزل للطلاب في المناطق التي لا توجد بها مدارس وتدير برامج تدريب المعلمين.

هناك تفاوت كبير في الثروة في سورية، قبل عام 2011، ازدهرت الأعمال الصغيرة السورية. ومع ذلك، أغلق العديد منها في العقد الماضي، احتكر عدد قليل من أصحاب الأعمال التجارية الكبرى ما يقرب من 75% من الاقتصاد.

ويلجأ الكثير من السوريين للفرار من البلاد، هناك 3.6 ملايين لاجئ سوري في تركيا، وفي لبنان يعيش حوالي 70% من الشعب السوري تحت خط الفقر، أما في الأرْدُنّ، يعيش حوالي 93% من اللاجئين السوريين تحت خط الفقر، الظروف المعيشية للاجئين السوريين صعبة، لكنها ربما تكون أفضل من أزمة العيش في خضم الحرب الأهلية.

كل هذا الواقع الذي صنعه القاتل العظيم بشار لم يحرك الإرادات الدولية لحل قريب، بل عمدت إلى تعميق المشكلة، فنسفت كل ما يمكن أن يكون طوق نجاة وحياة للسوريين وفي مقدمة ما خربته القواسم المشتركة، حيث لم يعد عند الشعب السوري أي قضية متفق عليها لا من هو العدو ولا من هو الحليف ولا الحكم ولا شكل الإدارة ولا الدين ولا الوطنية ولا القومية ولا التاريخ المشترك.. لقد نجح الدجل السياسي العالمي في تكفير السوريين بأي قيمة وسخر الزمن لإثبات الكذب، واستثمرت وسائل الإعلام الحديثة لتوجيه الجماهير والسيطرة عليها.

وبات التعليم لكل السوريين يندرج تحت إما الأمن أو الحرية بدلاً مِنَ الأمن والحرية: فقد وقع الشعب أمام اختيارٍ إما الأمنُ تحت سلطة حكم الأسد واستبداده، أو تعمّهم الفوضى والخراب إذا أرادوا الحرية. لقد أثبتت دولة الذلقراطية العالمية أن دور الحاكم هو الخادم للمصالح الخارجية وليس من يقوم  بتأمين الأمن والحرية للمواطنين. أو أنّ مِن واجبِه أنْ يُؤمِّنَ الناس على أنفسهم وأموالهم ودينهم، ويَضمن حقوقهم وكرامتهم.

 

يتبع..

دلالات