محمد شكري و"جنّات" العالم الثالث

18 نوفمبر 2023
+ الخط -

ما هو العالم الثالث في نظر الغرب؟

إنّه جنان كبيرة، حدائق وأعناب، نمارق مصفوفة، خدم وحشم.. جميع أنواع اللذات موجودة هناك، فقط ينبغي عليك أن تدفع ثمنها. العالم الثالث وضمنه الشرق، هو جنّات النعيم، طعام، شراب، نساء، وغيرها من فنون التسلية. وفي الآونة الأخيرة، بدؤوا يبحثون عن نوع الجنس المفضّل لديهم الآن، وانصبّت الدراسات على جانب الجنسانية في التاريخ العربي. هذا هو العالم الثالث، في نظر الغرب.

لم تأت هذه التخيّلات من فراغ عن الشرق، بل كان للأخبار العجيبة التي ينقلها المستشرقون عن الشرق الأثر الكبير، فهل كان ما ينقله أولئك صحيح، أم أنه كان من مبالغات المستشرقين، حتى يجدوا مادة دسمة يقبل عليها ملوكهم، وجمهور قرّائهم؟

هذه التخيّلات طبعت حتى الحضارات القديمة، وبشكل خاص الإغريقية واليونانية، حيث وُجدت الكثير من الأفلام التي حاولت تصوير الحياة الاجتماعية التي كانت تسود هذه المجتمعات، وكأنّها مجتمعات مُثلى، ولذلك يعودون إلى تأسيس أيّة فضيلة أو رذيلة لهذه المجتمعات.

يأتي الغربي إلى العالم الشرقي اليوم، وفي لاشعوره هذه التخيّلات، فيعمل جاهداً على اكتشاف هذه الأسرار، ولا أدل على ذلك من تلكم القصة، التي يرويها بعض الأساتذة عن قدوم أستاذة من ألمانيا إلى المغرب في الطيارة، متوقعةً أن يتم نقلها إلى مدينة أخرى فوق الجمال، مع العلم أنّ هذه الزيارة كانت في القرن الواحد والعشرين. من أين أتت هذه التخيّلات؟

في بداية القرن العشرين، ظهرت مجموعة من الشباب المتمرّدين على الثقافة الغربية، وسيعرفون باسم الهيبز، ظهر من بينهم كتّاب أصبحوا أيقونات في الأدب، مثل بول بولز، جاك كيرواك... وكان أدب هؤلاء يرتكز على الحرية المطلقة، وعلى البساطة أيضا، ويرفض تعقيدات الحياة التي فرضها النظام الرأسمالي، ومنها قيمه أيضاً. هذه المواضيع كانت جلية في أعمالهم، ومن أبرزهم  بول بولز الذي استوطن طنجة، وظلّ بها إلى أن رحل إلى مثواه الأخير.

ما الذي جعل بول بولز يترك أميركا ويستقر في طنجة؟ هل محبّةً في هذه المدينة الجميلة المعتدل جوّها، أم ثمّة أمر آخر؟

في الحقيقة، كان بول بولز، مواطنا أميركيا مقيماً في هذه المدينة الصغيرة، ولم ينتم يوماً إليها، لا ثقافياً ولا اجتماعياً، اختياره لهذه المدينة كان بسبب الحرية المتاحة فيها، يمارس ما يشاء من غير حسيب ولا رقيب، وخاصة إذا ما استحضرنا الوضع السياسي للمدينة وقتذاك، حيث إنّها كانت منطقة دولية، مستغلاً وجوده فيها، ليدعم أطروحات المستشرقين بنفس أدبي جديد.

تعرّف بول على محمد شكري في هذه الفترة، وكان الأخير شابًا فقيرًا يعيش في الشوارع، يطمح إلى أن يصبح كاتباً مرموقاً. عاش هذا الكاتب في ظلّ النظام الدولي في طنجة، وسمع حكايات وغرائب، وبعد محاولات الاتصال ببول بولز، ستنجح المحاولة، ويلتقي بالكاتب المشهور، ويخبره أنّه يحمل في جعبته الكثير من الحكايات الإيروتيكية، ولم يكن ينقص الصورة التي يريد بولز نقلها سوى هذه الحكايات، وها هو ذا التقى بمن يزوّده بها.

كانت هذه بداية صعود نجم محمد شكري، والذي سيصبح أيقونة الأدب، وستصبح رواياته من أكثر الروايات قراءة وترجمة إلى اللغات الأخرى، خاصة بعد ما صُودرت أعماله في المغرب، ليصبح  بذلك أيقونة الأدب الإيروتيكي، وإن كان يرفض هذ التوصيف ويرى أنّه كان يكتب عن الواقع الذي عاشه. وهنا الإشكال من وجهة نظري، فالسياق الذي قُدّم فيه شكري وأعماله للغرب، كان هو سياق الترويج لهذا النوع من الأدب، وخاصة إذا كان صاحب هذه الحكايات ينتمي إلى العالم الثالث.

في هذه الفترة كانت تُنتج أفلام في عدة جزر تابعة للدول الأوروبية والأميركية، كانت بدورها تروم ترويج نفس الصورة، حيث إنّهم كانوا يتخيّلون هذه العوالم، وكأنّها جنان يجدون فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ له الأعين، وسيطبع هذا النوع من الأدب والسينما مخيّلة أجيال من الناس، وليس غريباً أن تكون من ضمنهم تلك التي حلمت أنها ستنقل على ظهر الجمال، فهل العالم الغربي فعلاً، يتطلع إلى دول العالم الثالث على أنها دول مستقلة، وأهلها يستحقون العيش الكريم؟

لنعرف الإجابة، نحتاج أن نقرأ ونرى ما يُنشر عنّا اليوم.

سفيان
سفيان الغانمي
باحث في الفكر الإسلامي، حاصل على الإجازة في علم النفس، وباحث في سلك العالمية العليا التابع لجامع القرويين بفاس، مدون مهتم بالفكر والأدب. يعرّف عن نفسه بالقول: "حبر الطالب أقدس من دم الشهيد".