برنارد لويس و"جذور غضب المسلمين"
هذا هو عنوان مقال صدر في عام 1990 بمجلة ذا أتلانتيك الشهرية، بتوقيع المستشرق الشهير برنارد لويس، أمّا عن المناسبة التي كُتِب فيها المقال، فهي المشاركة في حملةٍ واسعةٍ كانت تقودها الولايات المتحدة الأميركية آنذاك، للبحث عن عدو جديد، بعدما لم يعدْ هناك أيّ أمل لمقاومة العدو القديم، والذي هو الاتحاد السوفييتي، فكانت الأعين حينئذ منصبّة على الشرق الأوسط.
وأمّا كلمة السر التي كان يتم إحداثها لفتح هذه القلعة، فهي الإرهاب، حيث إنّهم عمدوا بدايةً إلى صناعةِ عدو من خيالهم، بعد ذلك وضعوا له اسمًا، إنّهم الإرهابيون، ولم يكن هؤلاء غير المسلمين. لكن كيف تمّت كتابة السيناريو حتى غدا مُقنعًا، ليس للأميركيين الذين لا يعرفون سكان الشرق الأوسط من قرب، بل غدا مقنعًا لسكان الشرق أيضًا، حيث إنهم أصبحوا يتبرؤون من الإرهاب، وكلّ ما يمتّ بصلة إلى الإرهاب، حتى ولو كان التخلّي عن الدين سبيلًا إلى ذلك.
في مقاله، يُبحر برنارد لويس في التاريخ، مستفيدًا من خبرته ومعلوماته بوصفه مؤرخًا، ليجدَ الأسباب الكافية التي من أجلها يحقدُ كلّ سكان الشرق الأوسط على أميركا وفق اعتقاده. أو لنكن دقيقين أكثر، ليحقدَ سكان الشرق الأوسط المسلمون على العالم الغربي، والذي لم يكن من ممثل له غير أميركا آنذاك، إذ هي أعرق الديمقراطيات، فكان أن عاد إلى التاريخ باحثًا عن أصول التصادم بين الشرق والغرب، مختزلًا الشرق في الإسلام، والغرب في الديمقراطية، ليخلص إلى أنّ الشرق بطبعه منغلق، ومختلف جوهريًّا عن الغرب، ومن ثم لا يمكن لعالمي الشرق والغرب أن يلتقيا، أو يتوافقا على أمرٍ ما.
ترسَّختْ عند الغرب نظرة يرون فيها أنّ المسلم هو هذا الكائن العنيف، الذي يملؤه الغضب
وبحسب ما يرى أنّ الإشكال في هذا العائق ليس هو الغرب، سواء قلنا بأصوله المسيحية أو الإغريقية اليونانية، لأنّ الأولى متسامحة، والثانية هي التي ولد منها الغرب الحديث بقيمه، حيث أسّس الفلاسفة النظريّات السياسيّة الحديثة، والتي تجسّدت في القرن العشرين في الديمقراطية ومأسَسة المجتمع، وبذلك يُستبعد، بحسب رأيه، أن يكون عائق هذا التواصل قادمًا من الغرب، بل يجد أصوله في الإسلام. ومن ثم، إنّ رفض المسلمين للقيم الحديثة بحسب ما يرى هو متجذّر في ثقافتهم، والمقصود هنا الإسلام.
يعود برنارد لويس مرّة أخرى إلى الإسلام ليستعرضَ مقولات هي شعبوية وفق اعتقادي، أكثر منها حقائق علمية أو تاريخية، ومنها تلك الأطروحة التي ترى أنّ المسلمين يؤمنون بأنّ دينهم هو الدين الخاتم، وهذا أمر صحيح، ليستنتجَ من ذلك أنّهم يؤمنون بناءً على ذلك، بأنّ ما عداهم على خطأ ويستحق الموت، وهذه نتيجة باطلة، والحقائق التاريخية بدايةً تخبر بخلاف ذلك، فرغم القتال الذي كان في الماضي لم يكن هذا دافعه الأساس، بل كانت له دوافع أخرى، كما أنّ هذا الأمر غير مُسلّم به عند العلماء، وبالتأكيد برنارد لويس كان يشير إلى ما عُرِف عند العلماء بآية السيف، وعلى كلٍّ فهذه الآية فيها نقاش كبير بين العلماء.
ثم إذا كان برنارد لويس يرى أنّ سبب سخط المسلمين وغضبهم، الذي تجلّى وقتها في عدّة أعمال عنف سببه هو الإسلام، غير صحيح، إذ الحقيقة التي كان يواريها آنذاك لويس، هو تدخل أميركا في بلدان المسلمين، وليس ذلك فقط، بل القيام بأعمالِ عنفٍ تُولّد بدورها عنفًا مضادًّا، وهذا هو السبب الحقيقي، أمّا ربط هذا العنف بالإسلام فقد كان أكبر مغالطة وقعت آنذاك، وبسببها ترسَّختْ عند الغرب نظرة يرون فيها أنّ المسلم هو هذا الكائن العنيف، الذي يملؤه الغضب، وكان الإعلام يزيد الطين بِلّة، ويروّج هذه الصورة.
أثَرُ هذا الخطاب لم يمح إلى الآن، بل ما زال قائمًا في الغرب، مع تخفيف حدّته طبعًا، لكن يبقى هذا مقالًا من بين كُثر فقط. وبالمناسبة، وفي السياق ذاته، جاء مقال "صراع الحضارات" لصموئيل هنتنغنتون، والذي أسّس على المغالطات المنطقيّة نفسها عند برنارد لويس وغيره، وهذا يدل دلالة واضحة كيف استُعملت المعرفة الزائفة في خدمة السياسة الرعناء، والضحيّة طبعًا العالم الثالث، لكن ما أجده غريبًا، هو كيف تجاهل المثقفون أعمال برنارد لويس هذه، إذ عنده كتب في السياق نفسه، بل سلّموا له بذلك، وبدؤوا يبحثون عن التبرير، في حين أنّ الدعوى باطلة أصلًا.