ما بين الفسبكة والوتسبة
لا أحد يُنكر أنّ تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها المختلفة قد أصبحت واقعاً ملمُوساً ومُلزماً، بل صارت جزءًا من ثقافةِ حياتنا اليومية، فالكلُّ اليوم "مُفَسبِك ومُوتسِب". وما بين الفَسبكة والوتسَبة، قصصٌ وحكاياتٌ تقود إلى الجنون إذا أخذنا كلَّ ما يدور فيها على محملِ الجدِّ.
على سبيل المثال، إنّ تجمّعات "واتساب"، بتصنيفاتها المختلفة، السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية، هي، وبلا شك، أوعية تحوي الكثير المُثير، بين ما هو غثّ خاوٍ، ودسم محترم، فكلّ صباحٍ نجدُ إشعارَ إضافةٍ لمجموعةٍ جديدةٍ بموضوعٍ جديد، وعندما نقبل الإضافة نكتشف أنّه ليس هنالك جديد، فقط قديمٌ يُعاد تقديمه، ويرسل لتجمّعات متشابهة في المحتوى والمضمون.
البارحة اتخذتُ قراراً هاماً وخطيراً، بزيارةِ كلّ التجمّعات التي أنتمي إليها، وأعددت العُدّة لذلك، من قوةِ احتمال وطولةِ بال، وعلى بركة الله بدأت الجولة.
كان التجمّع الأول الذي دخلته عائليًا، ويحوي أخبار البيوت والاتفاق على مشاوير اجتماعية لما هو عاجل أو آجل، والسؤال عن الأهل وأولي الأرحام... هذا عادي جدا.
تحرّكت إلى آخر، ثمّة تصبيحات، أقوال صحف، رسائل دينية، كاريكاتير، أيضاً عادي. ومرّة أخرى، ولجت تجمّعا آخر يحمل اسمًا مهنيًا، دخلت وسلّمت وجلست وانتظرت.. ذات الرسائل والورود وأقوال الصحف. كتبت شيئًا، فلم يُعرني أحدٌ اهتماماً، ولا أدري ما السبب.
ذهبت إلى تجمّع آخر، قرأت عن شحن بطاريات سحرية، دعاء إذا ردّدته "كذا مرة" ستحدث لك مُعجزة، مريض بالسرطان يستجدي الدعاء، صورة مريض اختلف الناس على قصته وهويته ومكانه، وتعدّدت الروايات حوله. أيضاً، خرجت واتجهت لآخر، وتفاءلت بنقاشٍ هادفٍ حول موضوعٍ شيّق، وفجأة نزلت رسالة عن طريق الخطأ، أعقبتها صورة وتحوّل النقاش وبدأت الاعتذارات، وضاع الموضوع وسط المهاترات، وضعت معه أنا، فانسحبت وأنا في قمّة غيظي.
ما بين الفَسبكة والوتسَبة، قصص وحكايات تقود إلى الجنون إذا أخذنا كلَّ ما يدور فيها على محملِ الجدِّ
مباشرة إلى تجمّع آخر، هنا ثمّة قامات سامقة، أسماء كبيرة، أعلام، حديث محترم، قفشات، موضوعات عامة، ودردشات... وفجأة، وعن طريق الخطأ أيضاً مادة غير محترمة (فاحش القول)، دُهش الجميع وانبرى البعض بالنقد والهجوم، وغادر صاحب الرسالة غير مأسوف عليه، لأخرج أنا بأحاسيس مختلطة، ما بين الدهشة والاشمئزاز والتعجّب.
تناولت كوبًا من الشاي، أعاد لي التوازن والاتزان، ومرّة أخرى إلى التالي. هذا تجمّع نوعي، به فطاحلة يفهمون في كلِّ شيء، يفتون ويُصحّحون، ولسوء حظي لم أراجع الرسائل السابقة في موضوع النقاش، وهذا "جُرم عظيم"، إذ تقمّصت شخصية المثقف و"تفلسفت" وكتبت بضعة أسطر، ولم أنتبه للجماعة "الذين يترصدون الأخطاء"، وفجأة، وبدون مقدمات، انهمرت الضربات واللكمات، وصراحة خِفتُ على نفسي، وبكلِّ أدب و"مسكنة" اعتذرت وهدّأت الموقف، وبمراجعة الموضوع اكتشفت أنّني ضحية معركة قائمة أصلًا، دخلت فيها أنا "عرضا" واستحققت ما جرى لي، وبهدوء تسلّلت هارباً من هذه الورطة الكبيرة، لأدخل في حالة لم أستطع توصيفها بعد.
قد تكتمل الصورة عندي بعد تكملة رحلتي في بقية التجمعات التي لم أزرها بعد. ولكن متى؟ لا أعلم ربّما إلى أن أستعيد حماسة البداية أو ريثما تتحسّن نفسيتي.
بشكلٍ عام، دائمًا أحاول أن أقنع أعضاء مجموعات الواتساب، بقاعدة مستنسخة، وهي "القروب لما وُضِع له". فمثلا، قروب/ تجمّع العائلة يجب أن يقتصر على أحوالها وتنسيق الاجتماعات الخاصة، وتجمّع العمل على ما يخصّ العمل مع منع الخوض بالسياسة والرياضة ورموز التيارات، وغيرها من الحلبات الساخنة اللامتناهية من النقاشات، والتي يضيع الهدف في ساحات معاركها.
فلعل التذكير بهدف التجمّع/ المجموعة وطموحه يُتوّج بتوسيعِ دائرة الفكرة، وبمشاركات أكثر إثراءً ومعرفة، بعيداً الاصطفاف العدائي أو التخندق الحزبي في سبيل الانتصار. والسلام.