رسالة إلى "سيدي" صاحب العمل

17 فبراير 2022
+ الخط -

سيدي صاحب العمل، كنت في يوم من الأيام لا تملك الزيت والطحين، فأصبحت بغفلة من الزمان من أصحاب الملايين! تقول عن نفسك عصامي؟! وإن كل ما ملكت يمينُكَ من تعبك وجهدك.. صادق أنت أم كاذب؟ عصامي أنت أم حرامي؟ لا يهم..

أنا الموظف البسيط، الذي قبلت أن توظفه عندك، لأنك تحتاج إلى عمله وإلى جهده، وليس إحساناً، أنا الموظف البسيط الذي يكد ويتعب، ينام نصف نوم، يأكل نصف أكل، يحلم أن تطير الأيام ليأتي آخر الشهر ويستلم راتبه الزهيد ليدفع منه إيجار بيته، وتكاليف مواصلاته والكثير من الالتزامات يؤجلها إلى شهر آخر..

أنا الموظف البسيط الذي يكدح طوال اليوم بكل إِخْلاِصٍ وتفانٍ، عشت على أمل أن تزيد راتبي مع كل صفقة تربحها، أو أن تمنحني مكافاة مع كل عمل أنجزه لك بنجاح، أو على الأقل أن تشعر بالامتنان للمجهود الذي بذلته، لتخرج أنت للعالم بهذه الصورة المبهرة، رجل الأعمال العصامي، صاحب الأيادي البيضاء الممدودة دائما لمساعدة الفقراء والمساكين!!

ولكن وللاسف، المكافاة كانت التوبيخ على تقصيري وكسلي أنا!.. أنا! الموظف المقصر في عملي يا صاحب الكرش الكبير، أنا الذي أطلقت العنان لقهقهاتي المصطنعة على نكاتك التافهة، أنا الذي أبديت إعجابي بقصص كفاحك االمزيفة واسترسلت بمدح نزاهتك واستقامتك، مع أني أرى بعيني طمعك وتفننك بالكذب..

أنا الموظف الغلبان ما ذنبي؟ لماذا استهلكت طاقتي طوال هذا الوقت؟ أنا الغبي أم أنت؟

وبعد كل هذا تقرر، وفي لحظة، طردي من عملي، وتبدأ بسرد معاناتك مع إهمالي وكثرة إجازاتي، واستغلالي لقلبك الطيب، يا صاحب المليارات.. تذكرت كل السلبيات! ولم تتذكر لي إيجابية واحدة!.. كم مرة تأخرت بعد دوامي لساعات لأنجز عملك الذي يجب أن يكون جاهزا في صباحك الباكر؟..

أنا الموظف البسيط أقول لك يا صاحب المليارات، أيها العصامي ضاعف أموالك فالكفن لا جيوب له، وكل ما ستأخذه معك دعواتي والآخرين مثلي بألا يسامحك الله أبدا.

وأنت يا صاحب العمل الذي، والحمد لله، لم تصبح بعد من أصحاب الملايين، ما زلت تكنز الأموال وتفعل المستحيل لاستغلالي واستنفاذ كل طاقتي، مقابل مبلغ يخجل لساني من أن ينطق به، مقابل هذ المبلغ الضخم بنظرك، يجب أن أعمل بكل قوتي داخل المكتب وخارجه أيضا، وبدل الثماني ساعات يجب أن أعمل عشراً، وإذا اعترضت، وبحقوقي الإنسانية طالبت، أكون أنا الموظف البسيط "الأكال النكار"، وأريد أن أعمل ببلاش، إذا لم يعجبني الحال الباب بفوت مائة موظف وموظفة مستعدين للعمل 24 ساعة، دون تذمر..

أقول لك يا صاحب العمل لست عَبْدا عندك، مهما كبرت حاجتي للمال لن أسمح لك أن تستعبدني، أنا إنسان لي كرامة لن أهدرها مقابل راتب "لا يسمن ولا يغني من جوع".

وأنت يا صاحب المشاريع الوهمية، لا أعرف ما التسمية الصحيحة التي تليق بك؟.. نصاب، مغامر، أم واهم، أم حالم، أراد أن يبنى أوهامه على أكتاف تعبي، أنا الموظف البسيط صدقت مشروعك المزيف وعملت بإخلاص وانتظرت يومي الموعود واستقبلته بفرحة، سرعان ما تبددت عندما بدأت باختلاق الأعذار "صعب أقبضك الراتب هذا الشهر، والله الوضع كتير تعبان".

أنا الموظف الغلبان ما ذنبي؟ لماذا استهلكت طاقتي طوال هذا الوقت؟ أنا الغبي أم أنت؟ أنا الغبي أم النذل الغدار؟ المهم الله لا يسامحك ويجعلك ما تتوفق بموظف مثلي.

أما أنت يا صاحب العمل ذو الشأن الرفيع، يا صاحب الصوت العالي، والذي طالما ادعيت أنه يقف مع الشرفاء والفقراء والمظلومين، كم تفاخرت أن قلبك لا يعرف الخوف، ولسانك ينطق بالحق المبين، ولا يخشى لؤم اللائمين. هل تصدق إن قلت لك إنني صدقت كلامك؟! وإني انخدعت بتلك الصورة التي رسمتها لنفسك بإتقان؟

الغريب أني وبعد أيام من العمل عندك اكتشفت أن ألوانك مزيفة، وأبطال رسوماتك شخصيات جشعة، غارقة بالفساد المادي والأخلاقي، لم تكن أنت سوى واحد منهم، بل أسوأ، الموظف بالنسبة لك خادم في بيتك، تأمر أنت، وهو يطيع، منزوع الكرامة، عليه فقط أن يتحمل غضبك من صفقة خسرتها، أو تعكر مزاجك في زحمة الطريق..

أنا الموظف البسيط أقول لك: خلقت لأكون حرا، كرامتي ليس لها ثمن، فقير لا أملك من متاع الدنيا شيئا، نعم.. ونعم لست مثل أولئك الذين يؤمّون شركتك بسياراتهم الفارهة، يملكون أطنانا من الأموال، التي لو قضوا فوق أعمارهم أعمارا لن يستطيعوا أن يغسلوها من دم وجهد وعرق مئات الشرفاء.

دلالات