جمعيات للنصْب أم جمعيات سكنية؟

09 ديسمبر 2020
+ الخط -

قرأت منذ أيام مادةً، في أحد المواقع الإعلامية تتحدث عن التعاون السكني في إدلب، وشكوى أحد المكتتبين بإحدى الجمعيات السكنية، يطالب بتحصيل حقوقه، واسترداد ما دفعه من مال، وذلك من أجل أن ينعم بالسكن في شقة سكنية، ولا سيما أن التعاون السكني عُرفَ بشعار: " تأمين مسكن لكل أسرة واجب وطني".

الاتحاد العام للتعاون السكني الذي يتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري، كان قد أُنشئ من أجل تأمين السكن ذي الكلفة الأقل، والجودة الأفضل، والسعر الأمثل، كما قيل، لخدمة ذوي الدخل المحدود الذين لا يتمكنون من تأمين المساكن المناسبة لهم، فكانوا يكتتبون في الجمعيات، ويدفعون من مدخراتهم، على مدى سنوات طويلة، من أجل أن يعيشوا تحت سقف، وبين أربعة جدران.

ذكرتني المادة المنشورة بخيبة أملي بهذا الاتحاد العتيد الذي لم ينجُ من منظومة الفساد والإفساد السائدة في البلد.

فقد أصبحت الجمعيات السكنية مراكز للنصب والاحتيال تجمع الفاسدين الانتهازيين الذين لا يهمهم سوى ملء جيوبهم، والربح السريع والفاحش، من طريق التلاعب بأسماء المكتتبين، وسرقة مواد البناء، وبيعها في السوق السوداء، ووصل الأمر إلى اعتقاد بعضهم الجازم، بأن الجمعيات السكنية أكبر كذبة، وأكبر باب للنصب.

وربما بسبب الفساد الكبير المستشري في الاتحاد العام للتعاون السكني ومفاصله، حلُّ الاتحاد أخيراً، مع الإبقاء على عمل الجمعيات السكنية، ووضعها كما قيل على السكة الصحيحة!!

يوجد في سورية أكثر من 2500 جمعية سكنية، وعدد الأعضاء المكتتبين يفوق المليون مكتتب.

هؤلاء المكتتبون أغلبهم من ذوي الدخل المحدود المنتوف الذين يشدّون الأحزمة على بطونهم، لتوفير ما يمكن لتسديد الأقساط والالتزامات المالية للجمعيات السكنية، ويبقون صابرين متحمّلين، لأكثرَ من عشرين عاماً، حتى تنجز جمعياتهم وعودها، وتسلمهم مساكنهم، وقد يموت كثير منهم قبل ذلك اليوم، ولكن لا بأس ما دام الأبناء والأحفاد سيرثون هذه المساكن، وعلى مَن مات، وقضى في درب التعاون السكني أن يموت، وهو سعيد، لأن أبناءه وأحفاده سيسكنون ذات يوم تحت سقف، وبين جدران بيت.

وعلى مَن قضى في درب التعاون السكني الطويل أن يكون هانئاً كذلك، لأنه شارك مراتٍ كثيرةً، على مدى سنوات، بعرس انتخاب مجلس إدارة جمعيته، بكل الشفافية والديموقراطية، وهذا ما لم يكن متاحاً له، في انتخابات مجلس الشعب، أو في تجديد البيعة للرئيس التعاوني الأول والمعلم الأول، ولا حتى في انتخابات عريف الصف، عندما كان طالباً.

يوجد في سورية أكثر من 2500 جمعية سكنية، وعدد الأعضاء المكتتبين يفوق المليون مكتتب.

 

خيبة أملي وذكرياتي الأليمة، عن تسجيلي في إحدى الجمعيات السكنية التي ستقام في الجبل في مدخل الرقة، على غرار مزة جبل في دمشق.

قيل يومها: إن المستقبل سيكون في الجبل، ومن يكتتبْ ويسكنْ مستقبلاً في الجبل فسوف يفوز فوزاً عظيماً، وإن الجامعات ومشاريع سكنية ضخمة ستقوم فيه، وقد يغدو مركز المدينة الحضاري، بالإضافة إلى هواء الجبل النقي الذي يشفي العليل.

بعد رجوعي إلى الوطن الغالي، وإلقاء عصا الترحال، لا أدري حينها ما الذي دفعني إلى التسجيل، في الجبل.

هل ما رسخ في ذاكرتي من أغانٍ عن الجبل وجماله، أم الرغبة بأن يحقق الاكتتاب ربحاً، ولو بسيطاً على الأقل؟

مع العلم أنني لم أكن فالحاً يوماً بأمور التجارة، وجمع المال، ولم يكن لي مخ، ولا مخيخ تجاريان، ولو كنت كذلك لفعلت كما فعل زملائي الذين يعرفون كيف يستثمرون الإقامة في الخليج، بإقامة بعض المشاريع التجارية، أو على الأقل القيام بسحب قرض مالي يصل إلى أكثرَ من مئة ألف درهم، بمجرد وصولهم إلى الإمارات، وتحويل المال، إلى سوريا لشراء العقارات واستثمارها تجارياً.

على كل حال استطعت اللحاق بركب التعاون السكني الذي كان أحد المنجزات كما يقال، إضافة إلى الاتحادات والمنظمات الأخرى، كالطلائع والشبيبة واتحاد العمال والفلاحين والبيطريين والمعلمين، وغيرها مما استورِدَ من البلاد ذات النظم الشمولية، لإحكام القبضة الأمنية على الشعب.

وباعتبار أنني لم أكن أعرف أحداً من أعمدة التعاون السكني وحيتانه، فقد اشتريت اسماً لمكتتب في جمعية الجبل "رقة جبل"، وصرت أدفع كل شهر، حتى تجاوزت المدفوعات ما يعادل 14000 دولار اليوم.

ربَّ قائل اليوم: إن مأساة مكتتبي الجمعيات السكنية وخسارتهم، لا تكاد تُذكر أمام ما حلّ بالشعب السوري، منذ عشر سنوات عجاف، من قتل وتدمير المدن، فوق رؤوس ساكنيها، وهذا الكلام صحيح تماماً، ولكنْ لا بدَّ من إعادة الحقوق لأصحابها، خاصةً في ظل الفقر والتشرد الذي يعاني منه أغلب السوريين.

وبالنسبة إليّ، أحتفظ بحقي بالمسكن الذي خُصّصتُ به، في الجبل، حتى وإنْ ضاعت أموال الجمعية، وآلتْ إلى بطون وجيوب مجلس الإدارة المتمثل برئيسها الذي يدّعي العمل الصحافي، ويُستضاف كثيراً على القنوات الموالية، بصفته محللاً سياسياً (كما يدّعي).

وباعتبار أن جمعيتنا السكنية العتيدة "رقة جبل" كانت قد حصلت على الأرض "فوق بالعلالي"، وقامت بتسويتها، وتوقف المشروع، بسبب الأوضاع، لذلك أتمسك بحقي في "رقة جبل"، ولا بدّ أن أرجع يوماً، إلى الأرض التي سُويتْ، لأسكن، أو على الأقل لأنصب خيمةً فوقها، وأغنّي مع فيروز أغنيتها التي أُذيعتْ أول مرة عام 1957 في ذكرى النكبة، مستذكراً نكبتي الصغرى بانتسابي إلى الاتحاد التعاوني السكني المنحل:

فوق الجبل الأحباب بكرا يلاقونا

والأهل والأصحاب يحيوا ليالينا

وأغنّي معها أيضاً ببعض التصرف بالكلمات:

يا جبل اللي بعيد فوقك جمعيتنا!!

دلالات