أسماؤنا غير الحُسنى

11 مارس 2022
+ الخط -

كثيراً ما رددت وأنا صغير كلمة (شِنّقرة)، ولم أدرِ أن هناك قريةً في الريف الإدلبي تحمل الاسم، فكنت أجاوب مَن يسألني من أين أنت؟ 
أو إلى أين تذهب؟
فأقول: من شنّقرة،
أو ذاهب إلى شنّقرة

على سبيل السخرية، وعلى افتراض أنه لا وجود لهذا المكان، إلى أن كبرتُ، واكتشفت بدون أن تسقط تفاحة فوقي كنيوتن، أن القرية موجودة، وتعجبتُ كيف تُسمّى قريةٌ بهذا الاسم الغريب.

يقول صديقي: تابعتُ في القرن الفائت مسلسلاً سورياً، وفيه شخصية (أم محمود) تقوم الممثلة سامية جزائري بالدور، وكانت كثيراً ما تقول بأن لها ابناً في (خورفكان)، واعتقدتُ حينها بأنه ليس هناك بلدٌ بهذا الاسم، إلى أن قيّض الله لي السفر للإمارات، والذهاب إلى مدينة خورفكان للتمتع بشاطئها، وتعلّم السباحة، ولا سيما المشي على الرمال الناعمة تحت المياه، ومررنا في طريقنا إليها بمنطقة (الصِّرم)، وهكذا أضفت إلى المناطق والأماكن اسم (الصّرم).

تصوّرْ صديقي: إذا شخص من الصرم، وسُئل من أين أنت؟
يخجل أن يجيب، ويقول من (الصرم).

في إدلب زقاق يُسمّى (سقاق البوس)، وقيلَ بأنه البؤس، مع استخدام الناس، صار (البوس)، فشتان بين البؤس والبوس!
البؤس موت والبوس شيءٌ آخرُ لن أقوله.

يتابع صديقي: في مدينة الرقة هناك أسماء لقرى ومناطقَ غريبة، مثل (النهدين) اللذين نُصِرَا، وقُلب الاسم إلى المنصورة، وهناك اسم قرية (خربة الجحشة) أو (الفاطسة) .
يعني صديقي: آمنّا هي خربة وخراب، وكمان الجحشة!

لو (خربة غزالة) بلد رئيس الوزراء الأسبق، لكان الاسم مهضوماً وجميلاً.

لي صديق من منطقة قريبة لقرية (بعّاص). أمزح معه دائما، وهو شخصٌ مرحٌ، يحب المزاح.

أقول له: أهلاً بابن بعّاص البار.
يبتسم ويخرج بطاقته الشخصية، ويقول: انظرْ أنا من تل السمن، وليس من بعّاص، ويشير بأصبعه الوسطى.

يكون أحدهم مُعجباً بصدام حسين، وليس باسمه الأول فقط، بل بكامل اسمه، أو مُعجباً بحافظ سليمان الأسد، أو معمر القذافي، فيتم إطلاق  الاسم على الابن المسكين

الأسماء الغريبة توجد في كل مدينة، وفي كل بلد عربي.
في مصر مثلاً عندهم (الجربوعة) و(خمّارة) و(خرمان) و(ميت البز). يعني يخجل الشخص أن يقول بأنه من الخمّارة، أو خرمان، أو ميت البز.

هذه الأسماء أثارت مشاكلَ كثيرةً بين الناس، لتهكم وسخرية بعضهم منها، ووصلت الأمور إلى الشيطان الرجيم، وتدخل القضاء لحسم المشاكل، كما في قرية (أبو عرصة)، حيث بُدّل الاسم إلى (بلقاس)، وتغيير (ميت البز) إلى (ميت النور).

والأسماء الغريبة لا تقتصر على الأماكن، بل تتعداها إلى الأشخاص أيضاً.

في خدمة العلم كان لدينا زميل اسمه (أعبيد هلص العجاج) أتعبه أبناء دورتنا بالتعليق على اسمه.

يقولون له: (فهمنا ليس اسمك عبيد، بل أُعبيد وهلص كمان (أيضا) وعجاج فوق ذلك)!

يقول صديقي: أسماء القرى والمناطق الغريبة يمكن أن تُحتمل، لكن أسماء الأشخاص تسبب إشكالات وأزمات نفسية لحامليها، ولا ذنب لهم في اختيارها، والمفروض أن يكون هناك معجم وطني لأسماء المواليد، كما في الجزائر، حيث ينظر موظف الحالة المدنية (النفوس) في الاسم المقترح من الأهل، فيما إذا كان متوافقاً مع المعجم، أم لا.

عادةً ما يختار الأهل لأبنائهم أسماء الضواري والوحوش، كنمر وفهد وأسد، والطيور الجارحة، كعقاب وصقر ونسر، لبثِّ الرعب في نفوس مَن يسمع بها.

واختاروا أسماء تُبعد الحسد، كجرو، وكلب، وكلاب، وكليب، وجحش، وبعرور، وشخبوط.

وكذلك اختاروا أسماء مَن مات من أهلهم وأحبتهم، فقد سمّى أبٌ ابنته (مسعودة) على اسم جدته الراحلة، فتعقّدتِ البنت من سخرية زميلاتها، وتركتِ المدرسة، وأصبحت (متعوسة).

وهناك قصة طريفة، لفتاة أطلقت أمها عليها اسم (علجية) تخليداً لذكرى جدتها، فعمدتِ الطفلة إلى إخفاء هذا الاسم لمدة 25 سنة، وعندما أرادتِ الزواج أخفت عن زوجها اسمها الحقيقي مكتفية باسمها المستعار (مريم)، وعند إتمام مراسم الزواج، اكتشف الزوج الاسم الحقيقي لزوجته، ما تسبب لها  بإحراج كبير، وكاد الزوج أن يفرّ منها، ومن اسمها.

وهناك بنت أخرى أطلق أهلها عليها اسم (فروجة) تخليداً لإحدى القريبات، ويبدو أنهم كانوا يحبون الفَروج!

يتابع صديقي سرده: وقد يُطلق الأهل على أبنائهم أسماءً فيها ورعٌ وتقوى، مثل (جامع جامع)، وبالتأكيد أهله توسّموا فيه أن يكون من رجال الله الصالحين، ولكنه كان جامعاً للشر، ولأدوات القتل والتعذيب.

وممكن أن يختار الأب لابنه اسماً لشخصية سياسية يحبها، عندما يطرقه الحماس والتأييد (ريته تطرقو عين).

كأن يكون أحدهم مُعجباً بصدام حسين، وليس باسمه الأول فقط، بل بكامل اسمه، أو مُعجباً بحافظ سليمان الأسد، أو معمر القذافي، فيتم إطلاق الاسم على الابن المسكين.

وممكن أن تكون هذه الشخصيات وقت التسمية (على سروج خيلها) تعيش فترة عزها ومجدها، فينال الأب بعض الحظوة في المجتمع، ويضرب بسيف السلطة، ولكن المشكلة في الابن الذي سيحصد النتيجة، عندما (ينزل هؤلاء المسؤولون من سروج خيلهم، إلى ما تحتها، من سنابك)، بعد سقوط وموت هذه الشخصيات، فهو إن لم يمتْ بسبب الاسم، فسيُسرع، ويسابق سعيد عويطة لتغييره.

يُنهي صديقي حديثه قائلاً: الكلام عن الأسماء الغريبة للقرى والأشخاص، ليس للانتقاص والسخرية، بل للتأكيد أن اللغة العربية أكثر اللغات غنىً بالألفاظ والمفردات، وفيها مجالٌ رحبٌ لاختيار الاسم المناسب للأبناء، بحيث لا يُسبب لهم الاسم في المستقبل الانزعاج والتعرض للتهكم والسخرية.

06F7E7A3-29C2-443B-8759-A2FE88B69CD1
حسام الدين الفرا

شاعر وكاتب ومدرس لغة عربية من سورية