المال والسياسة والرياضة والفساد في المغرب
مرَّةً أخرى شغل توقيف رئيس نادي الرجاء الرياضي محمد بودريقة، في ألمانيا، بعد مذكِّرة توقيف من قِبَل السلطات المغربية على ذمَّة التحقيق في قضايا ذات طبيعة جنائية، الرأي العام المغربي. وبذلك ينضافُ إلى رؤساء آخرين، ممَّن يوجد في السجن، ومنهم من قضى عقوبته الحبسية أو مدَّة التوقيف عن ممارسة أي نشاط رياضي، والقاسم المشترك بين الجميع التورُّط في قضايا الفساد.
وانضافَ بودريقة إلى لائحة رؤساء الأندية الذين يُتابَعون في قضايا الفساد، إذ قرَّرت محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، شهر فبراير الماضي، متابعة رئيس الرجاء الأسبق، عزيز البدراوي، في حالة اعتقال، بتهم تتعلَّق باختلاس وتبديد أموال عمومية.
ونهاية السنة الماضية، تابع المغاربة فصول قضية متلبِسة وملغزة بطلها رئيس الوداد الرياضي، الغريم التقليدي للرجاء، سعيد الناصيري، تتعلَّق بالاتِّجار والتهريب الدوليين للمخدِّرات، وغيرها من التهم الثقيلة، بعد قرار المحكمة نفسها، متابعته في حالة اعتقال.
وقبل الناصيري وبودريقة والبداوري، أدانت المحكمة نفسها رئيس فريق أولمبيك آسفي لكرة القدم، محمد الحيداوي، بالحبس، على خلفية ما عُرِف بفضيحة تذاكر مونديال قطر.
القاسم المشترك بين هؤلاء الرؤساء هم التسيير الرياضي والعمل السياسي. فبودريقة والحيداوي كانا عضوَين بمجلس النوَّاب، عن حزب التجمُّع الوطني للأحرار، القائد للحكومة، فيما شغل سعيد الناصيري منصب رئيس عمالة الدار البيضاء، عن حزب الأصالة والمعاصرة، أحد الأحزاب المشكِّلة للحكومة، الأمر الذي يطرح إشكالية زواج الرياضة بالسياسة.
القاسم المشترك بين هؤلاء غياب أي تكوين علمي وأكاديمي يؤهِّلهم لقيادة مجلس عمالة الدار البيضاء، القلب الاقتصادي للمملكة، وأكبر مقاطعة بالمدينة، وترؤس ناديين يُعتبران واجهة المغرب خارجيًّا، أو أي مسؤولية تسييرية أخرى، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الكفاءات التي تقدِّمها الأحزاب لشغل مناصب المسؤولية.
هذه الحملة التي تقودها السلطات المغربية ضدَّ الفساد، تأتي في سياقات دقيقة، أهمُّها ما فعله المنتخب المغربي بمونديال قطر والصورة التي تركها لدى الجميع، بعد أن جعل المستحيل ممكنًا، واحتلَّ المركز الرابع كأوَّل منتخب عربي وإفريقي يحقِّق هذا الإنجاز.
كما تأتي هذه الحملة في سياق تحضيرات المغرب لاستضافة كأس إفريقيا العام المقبل، ونهائيات كأس العالم سنة 2030، ضمن الملف المشترك مع البرتغال وإسبانيا.
توقيف رؤساء الأندية المغربية على ذمَّة التحقيق في قضايا فساد، تزامن مع توقيف أزيد من ثلاثين برلمانيًّا يُحاكَمون في قضايا تتعلَّق باختلاس أموال عمومية...، وهو ما يوحي بأنَّها استراتيجية متراكمة للقطع مع الفساد الذي ينخر قطاع الرياضة ومؤسَّسات الدولة، ويكلِّف الخزينة العامَّة لبلادنا ملايير الدراهم.
إنَّ محاولة هؤلاء تقلُّد مناصب رئاسة أندية كبرى بالمغرب، يبرِّر مدى محاولتهم الاختباء وراء القاعدة الجماهيرية التي تملكها هذه الفرق، بحثًا عن استغلالها بأي طريقة كانت، من خلال نيل عطفها وتعاطفها، للوصول إلى أهداف معيَّنة.
إنَّ ما يثير الانتباه هو كيف وصلت هذه الشخصيات إلى عالم الرياضة بهذه السرعة، في غفلة من السلطات، وصنعت لنفسها مجدًا وهميًّا، واستعملت أساليب تحيط بها شبهات لتحقيق مبتغاها، في الوقت الذي يُعتبر فيه عالم الرياضة عالم المبادئ والأخلاق وفلسفة القيم والتسامح والتربية المدنية، ومحاولات لإصلاح الشباب وتهذيبهم، من أجل احتواء الجريمة والفساد الأخلاقي والإدمان بشتَّى أنواعه.
إنَّ المثير والغريب هو كيف استغلَّت هذه الشخصيات المجال الرياضي، وحوَّلته إلى فضاء للجمع بين السياسة والأعمال والرياضة، ومسرح للجريمة من خلال اشتغالها كعصابات ومافيات، تمكَّنت من استغلال صوت المواطن في الانتخابات، واستغلال تعاطف الجمهور وتصفيقاته وأغانيه وشعاراته في ملاعب كرة القدم، واندفاعه حبًّا لفريقه من أجل خدمة مصالحها الضيِّقة.
وفي الضفَّة الأخرى من المتوسِّط، حوَّل فلورونتينو بيريز، رئيس ريال مدريد، مؤسَّسة النادي الأبيض إلى عملاق يأتي على الأخضر واليابس، بفضل تكوينه الأكاديمي وتسييره المحترف، وجعلها محطَّ ثقة لدى الجميع، وحوَّلها إلى فريق أحلام يتمنَّى أي نجم عالمي مجاورته، وهو الأمر نفسه الذي ينطبق على فريقي برشلونة وأتلتيكو مدريد.
إنَّ التحدِّيات التي اختار المغرب الدخول فيها، تأسيسًا لفلسفة مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، تقتضي وجود بروفايلات على تكوين عالٍ وإبعاد كل من تلاحقه أي شبهة فساد عن الفضاء العمومي والتسيير وتقلُّد المناصب، حتى يتمكَّن من ربح رهان مونديال 2030، وإنجاح كل الوُرَش المفتوحة، وهو ما يتطلَّب شجاعة من الأحزاب بإبعاد قيادييها عن الشأن الرياضي تفاديًا للجمع بين الرياضة والسياسة، وحفاظًا على الحدِّ الأدنى من الأخلاق، وإبعاد كل من تلاحقه أدنى شبهة تتعلَّق بالفساد.
وفي الأخير، يمكن للملمِّ بهذه الأحداث أن يستخلص أنَّها شبيهة بأفلام تراجيدية بوليوودية، صُوِّرَت أحداثها التي تدور بين ساسة ورجال أعمال ورياضيين في مدينة مومباي الهندية، أمام شخصيات بأقنعة مختلفة، لكنَّها في الواقع حقيقة مرَّة أحداثها وقعت في مدينة الدار البيضاء بالمغرب.