العفو الملكي عن معتقلي الرأي.. نحو مصالحة جديدة

31 يوليو 2024
+ الخط -

شكّل العفو الملكي عن صحافيين، بمناسبة عيد العرش، حدثًا بارزًا في المغرب، وانفراجًا حقوقيًا جزئيًا، وجاء ذلك تزامنًا مع صيفٍ حارق، يتسم بارتفاعٍ مُفرطٍ في الأسعار وبركودٍ اقتصادي واحتقانٍ اجتماعي، بدأ باحتجاجاتٍ فئوية: الأساتذة، الأطر الصحية، المحامون، كتاب الضبط العدول.

وتقدّم لائحة المستفيدين من العفو الصحافيون، توفيق بوعشرين وعمر الراضي وسليمان الريسوني، والناشطون يوسف الحيرش ورضا الطاوجني، وسعيدة العلمي. وكان الصحافيون المُفرج عنهم والنشطاء معروفين بنقدهم اللاذع للسلطة، ممّا يؤشّر على أنّ المغرب يحاول الدخول في نوعٍ من المصالحة، وبناء فضاء أرحب من الحريّة ومنح مساحة أكبر للتعبير، وهو قرار استبشر به المغاربة وتلقوه بنوعٍ من الارتياح والأمل.

كانت خطوة العفو الملكية مؤشّرًا على نوعٍ من الانفراج الحقوقي يمنح جرعةً من الأمل في الحاضر والمستقبل، وحظي الخبر بنقاشٍ عمومي واسع، سواء في الفضاء الافتراضي أو في الشارع العام، وقُدّمت عناوين لهذه المرحلة الجديدة في تاريخ حقوق الإنسان عمومًا وحرية الرأي والتعبير بالخصوص.

إنّ التحدّيات التي تواجه المغرب تقتضي تكوين جبهة داخلية قوية، أساسها فضاء أرحب للحريّة والتعبير، واصطفاف خلف الملك، لربح كلّ الرهانات والدفاع عن مصالح البلد العليا، وعن وحدته الترابية، وفي مقدّمتها قضيّة الصحراء المغربية، حيث يتزايد الاعتراف دوليًا بصوابيّة المقترح المغربي وبعدالة قضيّته، واستمرار اعتقال نشطاء الريف ومعتقلي الرأي يشوّش على صورة البلد خارجيًا، وخصوصًا أنّ الرباط ترأس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

 يحاول المغرب الدخول في نوعٍ من المصالحة، وبناء فضاء أرحب من الحريّة ومنح مساحة أكبر للتعبير

وهكذا شمل العفو الملكي مجموعة من الصحافيين الذين دانتهم المحاكم المغربية، وأصدرت أحكامًا قاسيًة بحقّهم، لتتعالى الأصوات المُطالبة بتدخّل الملك عبر صلاحية العفو باعتباره الآلية القانونية الوحيدة المُتاحة بعد أن تصيرَ الأحكام نافذة، ترسيخًا لمرحلةٍ جديدةٍ من الانفراج السياسي. وعرفت حريّة التعبير ما بعد حركة 20 فبراير نوعًا من الانفراج اللحظي، قبل أن تتراجع بشكلٍ كبير، خصوصًا مع حراك الريف، وصولًا إلى الاعتقالات التي طاولت عددًا من الصحافيين الذين لحقتهم لعنة القلم الحر، وبسبب نقدهم لسياساتِ الدولة، ولتدبيرها لقضايا اقتصادية واجتماعية لها علاقة مباشرة بالوضع الاجتماعي للمواطن المغربي.

وبالتالي، يمكن القول إنّ مرحلة ما بعد دستور 2011 عرفت تجاوزات واضحة في حريّة الرأي والتعبير، وكانت المحاكمات حاضرة بقوّةٍ في تقارير المنظمات الدولية غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان، وخدشت صورة المغرب خارجيًا، وأحرجته في المحافل الدولية.

وقد جاء العفو الملكي في وقتٍ كانت فيه الأنظار مُتجهةً إلى الملك للتدخل من أجل طي هذا الملف وإعادة الأمل لحريّة التعبير والرأي، وهذا ما جرى بالفعل في الذكرى الخامسة والعشرين لجلوس الملك على العرش، أي مدّة ربع قرن من حكمه، والتي تميّزت بإنجازاتٍ في مجالاتٍ معبّرة، على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية.

مرحلة ما بعد دستور 2011 عرفت تجاوزات واضحة في حريّة الرأي والتعبير

وطيلة السنوات الماضية، شهدَ المغرب تحوّلاتٍ واستقرارًا واضحًا، وتنميةً بشرية، وتطوّرًا فعالًا، إذ كان الملك يتدخّل بحسب الصلاحيات الدستورية، لاتخاذه قرارات عقلانية في الوقت المناسب تضمن التوافق والاستقرار المجتمعي والسياسي والأمني، لامست مجالات كبيرة (هيئة الانصاف والمصالحة ومدونة الأسرة..)، ليعطي  القرار الملكي بالعفو عن الصحافيين والنشطاء  أملًا في بناء مصالحة جديدة، مبنية على دولة الحق والقانون والديمقراطية.

وفي الأخير، سيكتبُ حدث الإفراج عن الصحافيين والنشطاء بالخطِّ العريض في الذاكرة الجماعية للمغرب المعاصر، في عيد وطني كانت فيه الفرحة فرحتين، والعيد عيدين، في انتظار أن يتم إكمال الفرحة بإطلاق كافة المعتقلين السياسيين، من بينهم نشطاء حراك الريف والنقيب والوزير السابق محمد زيان، باعتبارها ملفات تؤثّر بشكلٍ واضح على ملفات حقوق الإنسان، فيما يبقى المغاربة متفائلين أنّ القادم أجمل، وسيشمل العفو الجميع، بإرادةٍ ملكية تصالحية أحرصَ على مغربٍ قويٍ ومستقرٍ ومنفتح.