الجامعة العربية... "إكرام الميّت دفنه"
لنبدأ بسؤالٍ حرج عن أداء جامعة الدول العربية في حماية قطاع غزّة من عدوان جيش الاحتلال الإسرائيلي؛ وما الذي قدّمته هذه الجامعة؟ وما الغاية من وجودها في ظلِّ استمرار الحرب على القطاع، وعلى الشعب الفلسطيني بعدما تجاوز عدد الشهداء 40 ألفاً؟
أسئلةٌ عسيرةٌ يصعبُ الإجابة عنها من طرفِ أعضاء هذه الجامعة، التي تحوّلت إلى جسدٍ بلا روح، في حين أنّ كلّ المؤشّرات تؤكّد أن لا دور لهذه الجامعة، ولا مكانة، ولا قوّة لها على المستوى الدولي في اتخاذِ قرارٍ فعّال لوقفِ التهجير القسري للشعب الفلسطيني وإبادته أمام أنظار عالمٍ متوحّشٍ لا يؤمن إلّا بالقوّة.
العدوانُ متواصلٌ بشكلٍ همجي على غزّة، ومستمرٌ في حصدِ أرواح الأبرياء، وارتفاع عدد الشهداء من الأطفال والنساء، واستمرار عمليّة الحصار والتجويع، والدول الأعضاء في الجامعة تكتفي بإصدارِ بلاغاتٍ وبياناتٍ فارغة، لا تغني ولا تسمن من جوع، ممّا يدل على أنّ هذه المنظمة في أرذل العمر، تعيش موتًا سريريًّا، وبعيدة عن هموم محيطها العربي والجيوسياسي، ولم تقدّم أيّة إضافةٍ في الحروب التي شهدتها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
عرّى العدوان الإسرائيلي سوأة الجامعة العربية، وأبان عجزها أمام الآلةِ الوحشيّة لجيش الاحتلال، كما كشف عن فشلها في ردع وحماية شعبٍ أعزل يُواجَه بأعتى الأسلحة. وهكذا اختارت بعض الدول العربيّة الإدانة الفردية، وهي الإدانات التي لا أثر لها على أرض الواقع، بل وتبقى مجرّد حبرٍ على ورق، إذ لم تقطع هذه الدول علاقتها الاقتصاديّة مع إسرائيل، رغم أنّها كلّ يوم تصدر بيانات وبلاغات، تدعو فيها إلى وقف إطلاق النار، دون أن تفعل ما يجب فعله، أي قطع العلاقات التجاريّة مع إسرائيل ووقف صادراتها إليها.
لا دور للجامعة العربية، ولا مكانة، ولا قوّة لها على المستوى الدولي
وهكذا فشلت الدول العربيّة في اتخاذِ خطوةٍ قويّةٍ وتوجيه صفعةٍ لجيشِ الاحتلال، الذي أثبت أن لا شيء يردعه غير القوّة، كما انحرفت الجامعة بذلك عن تحقيق أهدافها، فلا قرار مسؤول، ولا ضغط فعليا مُجد، ولا قوّة في اتخاذ القرار في ظلّ تمزّق عربي جماعي.
إنّ استمراريّة العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزّة بشتى أنواعه، تحمل إشاراتٍ واضحة بأنّ الدول الأعضاء في الجامعة العربيّة في سباتٍ عميق، إذ أصبحت هذه الحرب بالنسبة لها مجرّد حدث بارز لا يحتاج أيّ تحرّكٍ فعليٍّ وجاد.
إنّ وضع الجامعة العربيّة حاليًّا يدل على أنّها في مراحلها الأخيرة، رغم بلاغتها المطاطيّة وبعض مراسلاتها لمجلس الأمن، فما يقع في المنطقة يدقُّ ناقوسَ الخطر، ويفتح القوس للمُساءلة عن دور هذه الجامعة، ودور الدول المنخرطة فيها من أجل تدبير هذه الظروف وإنقاذ ما تبقّى من القطاع المُحاصر.
هذا الواقع يدعو للإسراع في حلّ هذه الجامعة التي لا جدوى من وجودها، إذ أصبح الأجنبي يتحكّم في قراراتِ المنطقة، ويعيثُ فسادًا فيها، إذ أطلّت إيران بأيديولوجيتها السياسيّة الخفيّة كفاعلٍ مركزيٍّ لعب دور "الجوكر" في المنطقة، استعدادًا لاستعادة أمجاد الفرس، ولو على حساب الآخرين بهدمِ دولهم وتشتيتها.
التشرذم العربي وضعف الجامعة يخدمان إيران التي أصبحت تتدخّل في شؤونِ دولٍ أخرى، لتصفية حساباتها، فاستغلّت فراغ الجامعة العربية، ودخلت من بابٍ واسع، ولم تجد من يوقفها عند حدودها ويواجه سياساتها.
العدوانُ متواصلٌ بشكلٍ همجي على غزّة، بينما الدول الأعضاء في الجامعة تكتفي بإصدارِ بلاغاتٍ وبياناتٍ فارغة لا تغني ولا تسمن من جوع
كما حاولت تركيا من جهتها، التي تربطها علاقات اقتصاديّة وعسكريّة قويّة مع إسرائيل، تقديم نفسها مناصرًا للقضيّة الفلسطينيّة، في الوقت الذي تحافظ فيه على علاقتها الدبلوماسيّة القويّة مع تل أبيب، ساعيةً لدغدغةِ مشاعر الشعوب العربية بشعاراتٍ لا تقدّم ولا تؤخّر، في ظلِّ استمرار همجيّة الآلة الإسرائيلية في حصد مزيدٍ من أرواح الأبرياء، فيما تحاول أنقرة الترويج لسرديّة الإمبراطورية العثمانية لربح النقاط داخليًّا.
الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طالما استعمل القضيّة الفلسطينيّة لأهداف دعائية وانتخابيّة داخلية، عبر الكثير من الخطاب الاستعراضي، فيما يدرك الجمهور أنّ تركيا لن تُقدم على أيّة خطوةٍ قد تشكّل تهديدًا على مصالحها، وأنّ الرئيس يبيع الشعارات فقط من باب رفع العتب في زمن الإبادة التي لا يمكن إغماض العين عن فداحتها.
إنّ نصرة القضيّة الفلسطينيّة تبدأ من نبذِ الخلافات بين الدول العربيّة، والتوجّه حالًا إلى وحدةٍ عربيّة فعلية وقويّة، وتفعيل دور الجامعة العربية، وهو أمر مُستبعد حاليًّا في ظلّ الوضع الذي تعيشه غالبيّة الأقطار العربيّة، وفي ظلّ عجز قيادتها عن اتخاذِ موقف قوي وموحّد من العدوان، ممّا يجعل الجامعة العربية تنظيمًا فارغًا بلا روح. وفي الأخير، لربما يجوز القول في حق الجامعة العربي "إكرام الميّت دفنه".