الصمود الفلسطيني.. أسطورة بقاء
لا نحتاج إلى الكثير من الشرح لنثبت أنّ الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة ليست على البنية العسكرية لحركة حماس، ولا تأتي في سياق الرد على عملية طوفان الأقصى. هذا إذا نظرنا بالحد الأدنى إلى طبيعة الأهداف الإسرائيلية منذ بداية العدوان حتى يومنا هذا. لا الفئات العمرية، ولا طبيعة المستهدفين من نساء وأطباء ومسعفين وصحافيين وغيرهم، ممن قتلتهم الآلة الصهيونية، تُشكّل أدلة على أنّ ما يقوم به جيش الاحتلال الإسرائيلي هو بمثابة حملة عسكرية على فصيل عسكري فحسب، إنّها عملية إبادة وتطهير عرقي تجري تحت ستار محاربة حماس.
"على جميع سكان قطاع غزّة مغادرة منازلهم والتوجّه إلى مصر"، هي كلمات تصدّرت عناوين صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وهذا أيضاً ما قاله الناطق العسكري الإسرائيلي رتشارد هيكت، وما أعلنه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شخصياً أولى أيام العدوان. أعادت إسرائيل كلّ مشاريعها القديمة دفعةً واحدة مستغلةً التعاطف الدولي لتنفيذها من تهجير وترحيل ونقل إلى سيناء إذا تمكنت من ذلك، وإن لم تنجح فهي "تخفف من الغزيين بالموت".
مما لا شك فيه أنّ مُخطّط تهجير أهل غزة ليس وليد الساعة، ولا يُشكّل ردّاً على عملية طوفان الأقصى. إنه مخطّط قديم يسعى من خلاله الكيان الصهيوني إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهذا يعتبر ردّاً على بعض المواقف والآراء، تحديداً على شبكات التواصل الاجتماعي التي تُحمّل المقاومة مسؤولية ما جرى ويجري من عدوان وقتل وتهجير بحق أهل غزّة. نستغرب المواقف تلك، مواقف متجرّدة من كلّ المعايير الإنسانية. فكيف يمكن إلقاء اللوم في ظلّ هذه الظروف على المقاوم الفلسطيني الذي يناضل لاستعادة حقه؟ أو من يلوم المقاوم الفلسطيني الذي ثأر لأهله وإخوته وأحبابه؟ بالمناسبة إسرائيل هي من اعتدت على النساء منذ النكبة، وإسرائيل هي من حرقت الأطفال، وإسرائيل هي الوجه المظلم في هذا العالم.
وهنا لا بدّ من الإضاءة والتأكيد والتذكير بأسباب عملية طوفان الأقصى، بخلاف ما يسعى الكيان الإسرائيلي لترويجه مدعوماً من كبرى المؤسسات الإعلامية حول العالم. طوفان الأقصى هي رد فعل على سياق طويل من الجرائم والفظائع وارتكابات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، أو أليس من حق الشعوب المظلومة أن تُقاتل؟ وأليس من حق الشعوب المغُتصبة أرضها أن تسعى لاستعادتها؟
إسرائيل هي من اعتدت على النساء منذ النكبة، وإسرائيل هي من حرقت الأطفال، وإسرائيل هي الوجه المظلم في هذا العالم
منذ بداية العدوان يعمل جيش الاحتلال الإسرائيلي وفق استراتيجية مُنظّمة غير عشوائية، من خلال استهدافه للبنى التحتية في قطاع غزّة، مرافق صحيّة، مدارس، مستشفيات، وغيرها من أساسيات الحياة التي لا يمكن العيش من دونها. تُشكّل الاستراتيجية استكمالاً لمُخطط التهجير، إذ تدفع الإنسان الفلسطيني إلى الرحيل عندما يفقد كلّ مقومات الحياة انطلاقاً من غريزة البقاء. ولكن يخيب الاحتلال الإسرائيلي في كلّ مرة عند مواجهته الشعب الفلسطيني. فهل شاهدتم صور الصمود؟ كيف يعيش هذا الشعب العظيم؟ كيف يخلق من اللاشيء شيئاً!
لن يرحل الفلسطينيون لأنّهم جرّبوا النكبة والرحيل القسري في 1948، وذاقوا مرارة اللجوء ومشقاته وخذلان العالم لهم، ولأنهم يعرفون تماما أنهم إن غادروا وطنهم فلسطين وتركوا قطاع غزّة، فلن يُسمح لهم بالعودة أبداً. ويمثل صمودهم البطولي تحت القصف الرهيب أسطورة بطولة لن تُنسى.
ولكن لا يمكن ترك الشعب الفلسطيني وحده أمام هذه المخطّطات، ولا يمكن الاكتفاء فقط بالشعارات وتصريحات الإدانة، فلن يردع الاحتلال الإسرائيلي إلّا موقف واضح وصارم وذو أبعاد من الدول التي تسعى إسرائيل لتهجير الفلسطيني نحوها، وهذا ما تنتظره شعوبنا، وهذا ما نطالب به ويجب أن يكون عنوان مظاهراتنا في الساحات المختلفة، وأيضاً في ساحاتنا الرقمية التي باتت ميدانياً مؤثّراً وفعّالاً.