هل يمكن استبدال التواصل البشري بالذكاء الاصطناعي؟
دخلت تقنيات الذكاء الاصطناعي كلّ جوانب حياة الإنسان تقريباً، حتى باتت روبوتات الدردشة المدعمة بالذكاء الاصطناعي تُستخدم في مجال الصحة العقلية. والأهم أنّه يمكن لهذه الروبوتات تقديم الدعم النفسي والمعلومات على مدار الساعة. ومع ذلك يبقى السؤال الأساس: ألا تتطلّب الرعاية الفعالة المستنيرة للصدمات دائمًا لمسة إنسانية؟
يعاني ضحايا الصدمات من مجموعة واسعة من النتائج الجسدية والعاطفية التي يمكن، لحسن الحظ، تحسينها من خلال الاستشارة والعلاج المبنيين على الصدمة ضمن سياق فردي وجماعي. لكن الموضوع لم يعد يقتصر على هذا النوع من الجلسات، إذ أنّ عددًا متزايدًا من الأشخاص يجدون الدعم من المستشارين الاصطناعيين، حيث يشعر هؤلاء براحة أكبر عند الكشف للروبوتات عن تفاصيل محرجة، أو مخزية، أو غيرها من التفاصيل الحسّاسة للغاية، كما توّضح الأبحاث.
وقام الباحثان يانغ تشينغ وهوا جيانغ، في دراسة لهما بعنوان "روبوتات الدردشة للصحة العقلية التي تعمل بالذكاء الاصطناعي" (2020)، بدراسة دوافع استخدام دعم روبوتات الدردشة بعد كوارث إطلاق النار الجماعي وتزايد المشاكل المرتبطة بالصحة العقلية. ومع ذلك، قد يظلّ معظم الناس في الولايات المتحدة يشعرون بالتردّد في طلب المساعدة، سواء بشكل رسمي أو من خلال الدعم الاجتماعي أو العلاج الطبّي السريري. ويشير الباحثان في الدراسة إلى أنّ استخدام الذكاء الاصطناعي قد أثار الابتكار في مجال خدمات الرعاية الصحية العقلية، وكذلك إدارة الأزمات والطوارئ.
في بحثهما، قام تشينغ وجيانغ باستطلاع رأي 1114 مشاركًا في الولايات المتحدة استخدموا خدمات الدردشة الآلية من أفضل شركات الرعاية الصحية، وحقّقا في كيفية تشكيل الذكاء الاصطناعي للدوافع الفردية والتواصل وسلوك المشاركة المصمّم للتخفيف من المشكلات المتعلقة بالصحة العقلية. على عكس العملية الطويلة أحيانًا، والمتمثلة في حجز زيارة مكتبية، أو العثور على مجموعة دعم قريبة بما يكفي للحضور، فقد وجد الباحثان أنّ روبوتات الدردشة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تسهل تفاعل المستخدم مع المعالجين الافتراضيين على الفور وفي أيّ مكان، كما أنّها قادرة على توفير طرق جديدة عبر الإنترنت لعلاج الأمراض العقلية من خلال "حوارات فعالة ومخصّصة".
يصعب على الذكاء الاصطناعي تكرار الكيمياء والاتصال والألفة التي تمّ تطويرها من خلال تفاعل البشر في ما بينهم
على سبيل المثال، بعد أن ناقش تشينغ وجيانغ روبوت المحادثة التلقائي (Woebot)، وجدا أنّه يقلّل بشكل كبير من أعراض الاكتئاب بين طلاب الجامعات، مع تقبّله أكثر من العلاجات التقليدية. وأشارا أيضًا إلى أنّه وفقًا لتحليل الشبكة الاجتماعية لمجموعة بيانات على منصة إكس (تويتر سابقا)، بالإضافة إلى نتائج الأبحاث من تحليل المحتوى النوعي للمقابلات مع الخبراء، يبدو أنّ روبوتات الدردشة قابلة للتطبيق على نطاق واسع من قبل منظمات إدارة الطوارئ للتفاعل مع أفراد الجمهور على وسائل التواصل الاجتماعي.
يمكن أن يوّفر الذكاء الاصطناعي دعماً ورعاية للمصابين بالصدمات، ويمكن الوصول إليه بسهولة فقط من خلال الاتصال داخل المكتب مثلا. لكن هذا الواقع يجعلنا أمام معضلة استبدال الاتصال البشري بالذكاء الاصطناعي، وبرأيي لا يمكننا أبدًا، استبدال أهمية هذا الاتصال والتواصل لأنّه يصعب على الذكاء الاصطناعي تكرار الكيمياء والاتصال والألفة التي تمّ تطويرها من خلال تفاعل الأشخاص في ما بينهم. ومع ذلك، نظرًا لأنّ الأشخاص الآخرين لا يتواجدون دائمًا، وعلى الفور، للأشخاص الذين يعانون من الأزمات، فإنّنا نواصل استكشاف كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي كمساعدة تكميلية وليست حلّاً بديلاً.