التوعية بالجرعة الزائدة: تحيّة إلى ماثيو بيري وجميع الضحايا

"إذا متّ، فسوف تكون صدمة للناس، لكن ذلك لن يفاجئ أحدًا، هذا ما أفعله بكتابة هذا الكتاب، ولهذا أردت القيام بذلك، أردت التحدّث عن اللحظاتِ الجيّدة والسيئة، لأنّ هناك أشخاصًا يعانون في هذه الحياة، ربّما إذا سمعوا قصّة من شخصٍ رأوه على التلفاز، تكون أسوأ من قصّتهم أو مشابهة لها، سيمتلئون بالأمل، وهو شيء أساسي. أريد أن أُذكر كشخص عاش بشكل جيّد، أَحبّ بشكل جيّد، كان باحثًا، ومن المهم جدًا أنّه يريد مساعدتكم". 

(الممثل ماثيو بيري متحدّثًا عن كتاب مذكراته في إحدى المقابلات التلفزيونية (1969 - 2023))

يصادفُ 31 أغسطس/ آب اليوم العالمي للتوعية بالجرعةِ الزائدة، وهي أكبر حملة سنوية في العالم تهدف إلى إنهاءِ حالاتِ الوفاة جرّاء الجرعات الزائدة، وتكريم ذكرى من فَقدوا حياتهم دون وصمةِ عار، وتخفيف الحزن الذي يعيشه أفراد الأسرة والأصدقاء الذين فقدوا أحبّاءهم بسببِ الإدمان. محور عام 2024 هو "معًا نستطيع"، مسلطًا الضوء على قوّة المجتمع عندما نتكاتف جميعًا.

الصورة

يهدفُ هذا اليوم إلى زيادةِ الوعي حول الجرعات الزائدة ومواجهة وصمة العار المرتبطة بالوفيات الناتجة عن تعاطي المخدّرات. كما يشجّع على الدعم والتعافي لكلِّ من تأثّر بتعاطي المخدّرات والجرعات الزائدة. كما تُعقد فعاليات مختلفة عالميًا لتذكّر أولئك الذين فقدوا حياتهم بسبب الجرعاتِ الزائدة، وتثقيف المجتمعات حول الوقاية من الجرعات الزائدة ومساعدة المدمنين.

يأتي هذا اليوم أيضًا بعد أسابيع قليلة من توجيه اتهاماتٍ لخمسةِ أشخاص، في ما يتعلّق بوفاة الممثّل الأميركي الكندي الشهير ماثيو بيري الذي لعب دور تشاندلر بينغ في المسلسل الشهير "فريندز" أو "الأصدقاء".

يهدفُ هذا اليوم إلى زيادة الوعي حول الجرعات الزائدة ومواجهة وصمة العار المرتبطة بالوفيات الناتجة عن تعاطي المخدّرات

جاء مقتل ماثيو بيري صاحب الضحكة الشهيرة، كالصاعقة على جمهوره الكبير، خصوصًا بسبب الظروف المؤسفة التي أحاطتْ بموته. تُوفي بسبب جرعةٍ زائدة عرضية من الكيتامين، كما أفادت التقارير الطبيّة. وُجد بيري ميتًا في حوض الاستحمام بمنزله في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وكان يبلغ من العمر 54 عامًا عند وفاته. كان بيري يعاني من مشاكل إدمان المخدّرات والكحول على مدى عقود، وقد خضع لعلاجٍ طبّيٍ بالكيتامين للتخفيف من الاكتئاب والقلق.

يصادف في 19 أغسطس/آب أيضًا عيد ميلاد ماثيو بيري ممّا يضفي بعدًا إضافيًا على وفاته، وعلى اليوم العالمي للتوعيّة بالجرعة الزائدة.

تمّ العثور على مستوياتٍ عالية من الكيتامين في دمه، وهي كميّة تُعادل الجرعات المستخدّمة للتخدير العام أثناء العمليات الجراحية، ممّا أدّى إلى تحفيز القلب بشكلٍ مفرط ومشاكل في التنفس، ممّا قد يكون تسبّب في فقدانه للوعي والغرق، حيث وُجدت جثته تطفو ووجهه نحو الأسفل في حوض استحمامٍ ساخنٍ في منزله.

كان بيري قد تحدّث علنًا، وبالتفصيل، عن صراعاته الطويلة مع إدمان المخدّرات في مذكراته لعام 2022، بحيث كتب عن استخدامه للكيتامين يوميًا في بعض الأوقات للتعامل مع الألم والاكتئاب. تمّ إجراء تحقيقات جنائية لتحديد مصدر الكيتامين الذي أدّى إلى وفاته، وتمّ توجيه اتهامات لعدّة أشخاص في هذا السياق.

كتب أيضًا أنّه بدأ في إساءة استخدام الأدوية المخدّرة التي وُصفت له بعد أن تعرّض لحادث أثناء تصوير فيلم "Fools Rush In" في عام 1997، وتمّ وصف فيكودين له.

في مذكراته "الأصدقاء، العشاق، والشيء الكارثي الكبير"، قدّم ماثيو بيري سردًا صريحًا ومباشرًا لمعركته الطويلة مع الإدمان. يوضّح بيري كيف بدأ إدمانه في سنٍّ مبكرة، بدءًا من الكحول في سنّ 14، وتفاقم الأمر إلى حدّ أنّه بات يتناول 55 حبة فيكودين يوميًا، ممّا أفقده الكثير من وزنه، ما كان واضحًا في مسلسل "الأصدقاء".

تروي المذكرات عدّة تجارب قريبة من الموت، بما في ذلك حادثة انفجار القولون بسبب الإفراط في استخدام المواد الأفيونية، ممّا أدّى إلى دخوله في غيبوبةٍ لمدّة أسبوعين وفترة تعاف طويلة. يكتب بيري عن الأثر العاطفي للإدمان، معبّرًا عن كيف دمّر إدمانه علاقاته الاجتماعيّة وحياته اليوميّة. وكيف أثّر الإدمان على مفهومه للسعادة، ممّا أعاق شعوره بأيّ فرحٍ في الحياة. فيقول: "لكن الإدمان يستيقظ قبل أن تفعل، ويريدك وحدك. سيفوز الإدمان في كلّ مرّة. بمجرّد أن ترفع يدك وتقول "لدي مشكلة"، يتصّنع الكحول: "هل ستقول شيئًا عن ذلك؟ حسنًا، سأذهب لبعض الوقت. لكنني سأعود. لن يذهب أبدًا إلى الأبد".

الصورة

ذكر بيري أنّه أنفق أكثر من 9 ملايين دولار على العلاج ودخل مراكز إعادة التأهيل أكثر من 15 مرّة. كان يأمل، من خلال مذكراته، أن تساعد قصّته الآخرين من خلال إظهار أنّ التعافي ممكن، بغضّ النظر عن الشهرة أو الثروة.

الصورة

ففي دوره في مسلسل "الأصدقاء"، قال بيري عددًا من العبارات التي كانت مُفاجئة ويمكن ربطها بوضعه النفسي مثل: "أنا بلا أمل ومرتبك ويائس من أجل الحب!"، "نحن نكتم مشاعرنا، حتى لو كان ذلك يعني أننا سنكون تعساء إلى الأبد"، "حسنًا، أعتقد أنني سأكون أول من يموت".

أعرب تشاندلر بينغ عن مخاوفه بشأن الموت وحيدًا في المسلسل، حيث قال بعد وفاة جاره في الطابق السفلي: "ترون، أنتم جميعًا ستذهبون وتتزوجون، أمّا أنا فسأنتهي بمفردي"، وهو ما حدث بالفعل.

استغلال الإدمان

استغلت مجموعة من الأشخاص، بمن فيهم أطباء و"ملكة الكيتامين" المزعومة في نورث هوليوود، ضعف ماثيو بيري كمدمن متعافٍ وزوّدوه بالكيتامين، ممّا أدّى في النهاية إلى وفاته. يعتقد المحققون أنّ بيري عاد إلى الإدمان في الخريف الماضي. قال أحد المدّعين أنّ شبكة من الأشخاص "اهتمت أكثر بالربح من بيري بدلاً من الاهتمام بسلامته". فالمتهمة جاسفين سانغا، التي تسميها السلطات "ملكة الكيتامين" في نورث هوليوود، كانت تدير ما يعادل "إمبراطورية لبيع المخدرات" في منزلها.

عمل الطبيبان سلفادور بلاسينسيا ومارك شافيز على تزويد بيري بالكيتامين، حيث رأى بلاسينسيا في ذلك فرصة للربح. باع بلاسينسيا الكيتامين لمساعد بيري وعلّمه كيفية إعطائه. في أكتوبر/ تشرين الأوّل (2023) أعطى بلاسينسيا جرعة كبيرة لبيري تسببّت في تفاعل طبي ضار. وكان بلاسينسيا قد كتب في رسالةٍ نصيّة في سبتمبر/ أيلول (2023): "أتساءل كم سيدفع هذا الأحمق؟"

من سبتمبر/أيلول إلى أكتوبر/تشرين الأوّل 2023، تمّ إعطاء بيري حوالي 20 قارورة كيتامين كلّفته حوالي 55,000 دولار، بحسب المدّعي العام الفيدرالي. في مرحلةٍ ما، طلب الأطباء من بيري مبلغًا قدره 2000 دولار مقابل قارورة من الكيتامين التي كلفت الدكتور شافيز حوالي 12 دولارًا.

خلال الأسبوع الأخير من حياته، حقنه مساعده كينيث إيواماسا بما لا يقل عن 21 حقنة كيتامين، وفقًا للائحة الاتهام. وقالت السلطات إنّ إيواماسا "أجرى عدّة حقنات لبيري في 28 أكتوبر 2023 - يوم وفاة بيري".

الإدمان في العالم العربي

يمثّل الإدمان في العالم العربي تحدّيًا كبيرًا، ورغم صعوبة الحصول على أرقامٍ دقيقة في هذا المجال، إلا أنّ بعض التقارير تسلّط الضوء على حجم المشكلة. في عام 2015، أشار مدير إدارة الصحة العامة والبحوث في المركز الوطني للتأهيل في الإمارات إلى أنّ "تكلفة مشكلة الإدمان في الإمارات تبلغ 5.5 مليارات دولار سنويًا، وتشمل الأعباء الاقتصادية وفقدان الإنتاجية والعلاج والوقاية والمكافحة".

قصّة ماثيو بيري ليست الأولى ولا الأخيرة، لكنّها انتشرت بسبب شهرته، بينما الكثير من الشباب والشابات يموتون بصمت

وفقًا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخّدرات والجريمة عام 2017، كان معدّل الانتشار السنوي لاستخدام القنب 6.24% في مصر، 5.35% في الإمارات العربية المتحدة، 4.22% في المغرب، 3.1% في الكويت، 2.6% في تونس، 2% في لبنان، 0.52% في الجزائر، و0.3% في السعودية. أمّا بالنسبة لاستخدام الأفيونيات، فقد تراوح معدّل الانتشار السنوي بين 0.44% في مصر و0.02% في المغرب والإمارات العربية المتحدة.

في العراق، بما في ذلك إقليم كردستان، أظهر التقرير النهائي للمسح الوطني العراقي لاستخدام الكحول والمخدرات (INHSAD) لعام 2017، أنّ معدّلات الانتشار مدى الحياة لاستخدام التبغ كانت 28.8%، واستهلاك الكحول 8.1%، والاستخدام غير الطبي للأدوية الموصوفة 2.9%، واستخدام المخدّرات غير المشروعة 0.7%، وفقًا لدراسة منشورة على موقع منظمة الصحة العالمية.

قصّة ماثيو بيري ليست الأولى ولا الأخيرة، لكنّها انتشرت بسبب شهرته، بينما الكثير من الشباب والشابات يموتون بصمت.

أختم بجملةٍ قرأتها من شقيق أحد ضحايا الإدمان والجرعة الزائدة، لأوجّه تحية لكلِّ من يعاني في هذه الأثناء مع معركة الإدمان، ولكلِّ أمٍّ وأبٍ وأختٍ وأخٍ وأصدقاء فقدوا أحباءهم بسبب "جرعة زائدة": "في 29 نوفمبر 2021، فقد أخي الأصغر، تايلر، معركته مع الإدمان. حاولت لسنوات أن أقدّم له المساعدة التي كان في أمس الحاجة إليها، ولكن إذا لم يكن لديك الكثير من المال أو خطّة تأمين جيّدة حقًا، فلا يوجد الكثير من المساعدة المتاحة. من 2018 إلى بداية 2020 كانت بضع سنوات رائعة حقًا. كان يعيش أفضل أيام حياته، متعافيا ومليئا بالحب. فقدنا والدنا فجأة في نهاية 2019 وساءت الأمور بسرعة بعد ذلك. عندما تحبّ شخصًا يعاني من الإدمان، تعيش كل يوم في حداد على فقدان شخص لا يزال معك جسديًا. تقضي كل يوم تتمنّى أن تتمكن من إنقاذهم من شياطينهم. لو كان الحبّ وحده قادرًا على إنقاذهم، لكان أخي الصغير لا يزال هنا، لأنه كان محبوبًا بشدة".