الإنسان حيوان ناطق

02 يونيو 2022
+ الخط -

ارتفعت صيحات العِلمويين قرابة العشرين سنة الماضية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ساعيّن لترسيخ ذكراها في أذهان الناس كدليل على أن العنف ظاهرة دينية، ومن تلك الصيحات الفيلم الوثائقي الذي أعدّه ريتشارد دوكنز منذ أكثر من عشر سنوات تحت عنوان "أصل الشرور"، يقصد الدين، فهل الدين هو مصدر العنف؟

العنف والإرهاب

ما الإنسان؟ حيوان ناطق -كما قال أرسطو- أو حيوان ضاحك، فسواء كان ناطقًا أو ضاحكًا إلا أنه ما يزال حيوانًا، أي أن ما تحكمه هي الطبيعة الحيوانية، وذلك وفقًا لتعريف دوكنز نفسه. لذا، فللنظر إلى عالم الحيوان، هل توجد شرائع دينية وقواعد فلسفية هناك؟

لا، ولكن يوجد عنف، وبالتالي فالعنف مُتجذر بشكل طبيعي داخل المملكة الحيوانية. ولمَّا كان الإنسان حيوانًا متطورًا، فإن الإنسانَ عنيفٌ بطبعه، ولذلك حين نُناقش العنف، فإننا نُناقشه على أساس ظاهرة حيوانية، وليس على أساس ظاهرة دينية.

وتلك الظاهرة -العنف- مُتجلية في كل مناحي المملكة الحيوانية، وأغلبها لفرض السيطرة، وعند الإنسان ترى العنفَ مُتجليًا في أمور شتى، بل إن الجنسَ يُعدُ الوجه الناعم من ذلك العنف الجسدي.

فشُبهة أن الدينَ هو مصدر العنف عارية من الصحة تمامًا، ولا يصح تحليل العنف ومُناقشته كظاهرة دينية، لكن كظاهرة إنسانية مقرونة بسلوك ذلك الحيوان المُتطور.

هل اللوم يقع على الشيوعية أم على الإنسان والسلطوية المكنونة بداخلهِ؟!

أما عن الإرهاب: ليس هناك تعريف للإرهاب متفق عليه دوليًّا (كما ذُكر في الموقع الرسمي لمكتب الأمم المُتحدة)، ولكننا قد نقول إنه عنف جماعي مُنظم، على نطاق أوسع، لفرض أفكار وأيديولوجيات في سبيل التغيير بالقوة.

فهل تُساهم الأديان في وجوده؟ كلا، فما الأديان والفلسفات سوى كيانات داعمة لمنظومة الأخلاق، ومنظومة الأخلاق تلك هي الساعي الأول نحو تهذيب النفس البشرية بكل سلوكياتها، ومن تلك السلوكيات -اللا واعية والواعية أحيانًا أُخرى- العنف.

فنحن لا نستطيع نزع العنف من سلوك الإنسان، فهذا يعني أن نشلّه تمامًا وننزع عنه صفة الحركة، لكن علينا لجم وتهذيب وتقليم أظافر ذلك السلوك وتوجيهه بشكل صحيح، فلا ضير في بعض العنف عند الضرورة، كأن نُدافع عن أوطاننا مثلًا؛ فذلك العنف يكون محكومًا وفق قواعد أخلاقية، تسنها وتدعمها العقائد والفلسفات، ومعترف به من قِبل الأمم المتحدة.

فالإنسان هو منبع الأخلاق والدين، والعنف واللين، فحين يولد الإنسان، يولد على الفطرة السوية؛ حب الخير وبُغض الشر بشكل بديهي، ولكن، مع اختلاطه بالمجتمع الملوث يكون على موعد مع اعوجاج بوصلته الأخلاقية، فيأتي هنا دور الدين والفلسفة في تعديل البوصلة مجددًا، كي لا يهلك ويُهلك من حوله.

صورٌ من أفكارٍ إنسانية ظلمها الإنسانُ بعنفه:
ما رأيك بالشيوعية؟ .. من أكثر الأفكار الفلسفية إنسانيةً، حيث نادت بحق الفقير إزاء ظلم الغني له في ظل عالمٍ رأسمالي.

فهل ترى أن القائمين عليها أمثال "ماركس وإنجلز" قد دعوا إلى العنف والإرهاب في فلسفتهم؟ .. أظن لا.

إذًا، ماذا حدث بعد وصول البلشفيين إلى الحُكم وعلى رأسهم "ستالين"؟ ألم يظهر العنف والإرهاب المُمنهج في عمل هؤلاء، إلى أن أودى بحياة 93 مليون إنسان في آخر الأمر؟ فهل اللوم يقع على الشيوعية أم على الإنسان والسلطوية المكنونة بداخلهِ؟

إذا، لا الدين أو الفلسفات يقع عليهما الخطأ، بل الإنسان وتوظيفه الشمولي لهما.

خِتامًا؛ الإنسان بدرجة أو بأخرى حيوان متطور-كما قُلنا- ما يزال في السلم التطوري وإن كان أعلى الهرم، لكن يحكمه ما يحكم الحيوان من عنف وجوع لفرض السيطرة.

دلالات