25 يناير ليس يوماً واحداً

25 يناير 2016
+ الخط -
هل دار الزمان دورة كاملة، وعاد الربيع العربي ليبزغ من جديد؟ أجواء الأيام الماضية تذكّر ببدايات ربيع العرب في 2011. عندما انتفضت تونس ضد القهر الاقتصادي والقمع السياسي. واستلهمت مصر النموذج، قبل أن تتوالى انتفاضات الشعوب في ليبيا وسورية واليمن. وفي السنوات الخمس الماضية، بدت مسارات الشعوب الثائرة كأنها افترقت، وأن مصير الربيع العربي بين أفول ومخاض عسير. لكن ما تشهده تونس منذ أسبوعين يثبت أن الثورة هناك تصحح مسارها، وتعيد تعريف أهدافها، فبعد أن نجحت الثورة المضادة في الداخل وأعداء الربيع العربي من الخارج، في إحداث لبس متعمد بين مطالب الشعب ومطامح الإسلاميين، انحنى الإسلاميون للعاصفة، وكشفت القوى التقليدية نفسها بنفسها، حيث عادت سريعاً إلى النمط القديم في احتكار السلطة وتعجل مكاسبها، فحاول الباجي السبسي توريث دور قيادي لابنه حافظ. وتسرّع فرقاء "نداء تونس" والمتحالفون معهم من أصحاب المصالح، في جمع غنائم إطاحة الإسلاميين وخلافة الترويكا، ليفاجئ التونسيون حكامهم والعالم أنهم، بعد خمس سنوات من هروب بن علي، لا يزالون متمسكين بمطالبهم، وأن الشعب التونسي لا يُخدع، ولا يقبل بنصف ثورة.
لولا ثقة المصريين في الجيش، وتسليمه قيادة البلاد في 2011، لربما سارت الثورة المصرية على الدرب التونسي. وبعد خمسة أعوام، ليس واضحاً ما إذا كان المصريون سيكرّرون تلك الثنائية، لتصير متوالية تاريخية، أم أن الاستنفار الأمني في الدولة المصرية والإجراءات الاحترازية والاعتقالات ستحبط الحراك المحتمل. المؤكد أن مقومات استعادة الثورة التونسية زخمها وحيويتها غير واضحة في مصر، فعلى الرغم من المآزق وتذبذب منحنى الثورة التونسية صعوداً وهبوطاً، رفض التونسيون التنازل عن مساحات مناسبة لحرية التعبير، والاحتفاظ بأدوات ومداخل لفرض إرادتهم. وحصّنوها في مواجهة التشويه والتحريض الإعلامي الموجه. والأهم أن فرزاً جيداً قد تم في تونس للقوى والتيارات، بل والأشخاص، فساعدت مرونة بعض الإسلاميين على استدماجهم، وكانت غطرسة إسلاميين آخرين كفيلة بتحجيمهم شعبياً، وليس إقصاءهم بقوانين مُسيسة، أو تصفيتهم بواسطة الأمن.
في مصر، لا يزال الإسلاميون (الإخوان تحديداً) حائرين ومنقسمين بين المراجعة والمكابرة. وبقية القوى القديمة، يسارية وليبرالية، فإما مُدجنة أو مُكبلة أو مُشتتة. أما رموز يناير وشبابها، الشجعان منهم في السجون والأنقياء مُشوَهون والباقون خائفون. وبعيداً عن هذه الخريطة الجرداء، يقف المواطن البسيط مُنهكاً تحت وطأة الغلاء والبطالة وسوء الخدمات وتفشي الفساد.
مشهد الثورة في مصر عكس نظيرتها في تونس، فهي في القاهرة انكفائية متردّدة، وفي تونس عنفوانية متحررة، ذلك التناقض الظاهر في البلدين ليس سوى قمة الجبل فقط، أما تحت السطح فالمشترك بينهما كثير وخطير. ودلالة ما يجري في تونس أعمق كثيراً من اشتباكاتٍ تطلبت فرض حظر للتجوال ومراجعة قرارات حكومية. وما يتراكم في مصر من احتقان وانحدار أسوأ وأشد أثراً من اعتصام في ميدان أو تظاهرات في الطرقات، تُستنفَر لمواجهتها قدرات الجيش والشرطة معاً. وبعد انتهاء صلاحية الحرب على "الإخوان"، يواجه النظام في مصر مأزق البحث عن عدو يتحمل مسؤولية الفشل، إذ لا تهم جديدة لإلصاقها بالمعارضين، ولا حجج أخرى لتأجيل الغضب الشعبي، وتبرير خلل الاقتصاد وتفشي الفساد.
يؤكد يناير هذا العام أن الربيع العربي لم يأفل، وبعثه من جديد ليس مرهوناً بيوم أو بذكرى بزوغه الأول. وما ارتكبه أصحاب يناير من أخطاء وإخفاقات، عوّضها أعداؤه وحلفاؤهم بتكرار خطاياهم وغباواتهم. لذا، قد يمر يناير "الرمز" أو 25 "اليوم" بسلام مؤقتاً، أما "يناير" المغزى والمضمون، فليس أمر ساعة أو يومٍ، وإنما إرادة شعب وكلمة التاريخ.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.