10 سنوات لبنانية

25 ابريل 2015

وحدات من الجيش السوري خارجة من لبنان (26أبريل/2005/Getty)

+ الخط -

أظهر اللبنانيون، في الذكرى العاشرة لانسحاب آخر جندي سوري من البلاد، في 26 أبريل/نيسان 2005، حاجتهم إلى الكثير بعد، كي يعبروا إلى المواطنية الفعلية. يحتاجون، أولاً، إلى الانتماء لوطن يجمعهم بفكرة ما، وليس بالضرورة أن تكون فكرة شبيهة بأحلام الشعراء وكتّاب المسارح، بل اقتباساً من واقع يعيشونه، منذ ولادة لبنان الكبير في عام 1920. وُلدت الولايات المتحدة والأميركيتان وأستراليا، وقارة أوقيانيا حتى، من لا شيء. أُعيد إعمار ألمانيا واليابان، من أقوى اقتصاديات العالم حالياً، بعد الحرب العالمية الثانية، من لا شيء تقريباً. لا شيء كان يمنع حصول شيء مماثل للبنان، وهو الصغير بمساحته الجغرافية، والذي "جزم" كثيرون أنه "بمجرد خروج القوات السورية تزدهر البلاد، في عصر نهضة متأخر". لا شيء حصل، لأن الاحتلال الذهني أسوأ أنواع الاحتلالات.

يُمكن قول الكثير عن طبيعة التركيبة الاجتماعية للشواطئ الشرقية من البحر الأبيض المتوسط، معطوفة على الحراك التاريخي والجغرافي والديمغرافي لشعوب المنطقة وغزاتها. كما يُمكن الحديث عن "القوة القاهرة" التي تفرض وقائع مغايرة لحاجات دول شبيهة بلبنان. ولكن، يُمكن الاتعاظ أيضاً من كل تلك العناصر لبناء دولة، لا الاستمرار في "المزرعة" القائمة اليوم، والمُسمّاة "دولة".

ومع أن "فكرة لبنان" أُشبعت درساً، غير أنه لم يتم الاهتمام بها، في ظلّ غرق اللبنانيين بمماحكاتهم وانقساماتهم، من كتاب التاريخ إلى تعيين موظّف في الإدارات الرسمية. هنا كل المشكلة، في الدواخل اللبنانية، قبل أن يتم اتهام جهات خارجية بتدمير البلد، عسكرياً أو سياسياً أو اقتصادياً، لا بل تعود جذورها إلى "التفاهم الكذبة" بين المسيحيين والمسلمين في عام 1943، حين نالت البلاد استقلالها. لا يُمكنك بناء دولة، حين تمدّ يدك لمصافحة من تدعوه بـ"شريكك في الوطن"، وباليد الأخرى تخفي خنجرك خلف ظهرك. أدى هذا الواقع إلى تسلسل الاحتلالات في لبنان، في مرحلة ما بعد الاستقلال. وإذا كانت محاسبة "أبطال" تلك المرحلة غير مفيد اليوم، فإن محاسبة الموجودين على كراسي الحكم في لبنان، تبدو أكثر واقعية. بعد ذلك، تُصبح "العنصرية" و"الشوفينية" و"حب الظهور" مجرّد تفاصيل سلبية، ناتجة عن الدجل المُمَارَس في وطن الأرز. جدران البيوت اللبنانية تزخر بالكثير لو حَكَت، عن "المحبة" المتبادلة بين "الشعوب" اللبنانية.

لا يُعقل في إطار "الإهانة الفكرية والذاتية" أن يخرج وزير ما ليُطالب "الدولة" بأمرٍ ما، متناسياً أنه ركن فيها، وقديمٌ أيضاً، وتتوجّب عليه، تجاه شعبه، كل موجبات الدولة، كما تجدر محاسبته أيضاً. وإذا كان وزير أو رئيس أو نائب غير قادر على تلبية مطالب ناخبيه وشعبه، أليس من الأفضل له الاستقالة؟ حسناً، لم يسبق أن استقال أحد في لبنان، لسبب "تقصيره" في خدمة شعبه، على الرغم من "مفاخرة" اللبنانيين بأنهم "أسياد الديمقراطية" في الشرق الأوسط، مع العلم أن تلك "الديمقراطية" لم تشفع في إجراء الانتخابات النيابية في عام 2013، ولا الرئاسية في عام 2014. لم تمنع تلك "الديمقراطية" من عرقلة مسار تأمين الحدّ الأدنى من التوافق اللبناني، تجاه ملفات حساسة في المنطقة تطاول لبنان، كالنزوح السوري وانتقال حزب الله للقتال في سورية والعراق، وصيرورة الجزء الأكبر من اللبنانيين، "جنوداً" لدى قوى إقليمية ودولية، سياسياً وعسكرياً، وفي مواجهة بعضهم. بالإضافة إلى عدم العمل جدياً على استعادة جنود الجيش اللبناني، الأسرى لدى تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" الذين اختُطفوا، في الصيف الماضي، خلال معركة عرسال، شرقي لبنان.

لا تأتي الذكرى العاشرة لانسحاب الجيش السوري من لبنان عبثاً، بل تؤكد أن العقد الأول بعد الانسحاب كان سيئاً للغاية بسببنا، وفاق كل سلبيات المراحل السابقة. يُمكن اتهام أفرقاء لبنانيين عدة، لكن اللوم الوحيد يقع على شعبٍ تخلّى عن دوره في بناء بلاده.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".