ويس كرافن.. إلى بيت أخير على اليسار

02 سبتمبر 2015
(تصوير: كيرك ماكوي)
+ الخط -

رحل المخرج الأميركي ويس كرافن (1939 - 2015)، قبل أيام، بعد أن صارع مطوّلاً سرطان الدماغ، وكان حتى أثناء مرضه يعمل، إذ قدّم هذا العام (كمنتج تنفيذي) فيلمه الشهير "الصرخة" في دراما تلفزيونية. وكان الجزء الرابع من هذا الفيلم، أحد أشهر وأنجح أفلام رعب بداية الألفية الثالثة، قد ظهر سنة 2011.

لماذا نجح كرافن أكثر من غيره في إخراج أفلام الرعب؟ ربما لأنه يشتغل على الرعب انطلاقاً من دراسات معمّقة للوعي واللاوعي. إنه يرى أن ثمة وعياً متيقظاً ومستفَزّاً لدى المتفرج، ولكنه غير مدرّب على المجهول. فعند مشاهدة فيلم رعب، يكون المفترّج مثل آلة وقد وضعت في أعلى فولت، متحفّزاً ومتوقّعاً أن يرى شيئاً مخيفاً، رغم ذلك يتم استدراجه وتأتي لحظة الهلع/ لحظة الصرخة.

يتحدّث كرافن في أحد لقاءاته عن دراسته للسلوك والإدراك وكيف تحدُث الانفعالات، وما أثرها بعد ذلك في الواقع، قائلاً إن ما اكتشفه من تفاصيل خلال هذه الدراسة، مثّل بالنسبة إليه أفلام رعب صغيرة، وإن كل ما فعله هو أنه حوّلها إلى سينما.

منذ إعلان خبر وفاته، تتناقل وسائل الإعلام وصفحات الشبكات الاجتماعية خمسة مشاهد رئيسية منحته لقب "سيد الرعب"؛ مشاهد جعلت ملايين المتفرّجين يعيشون لحظات متماثلة من الخوف، وهي لقطات شهيرة من أفلامه "كابوس في شارع إيلم" (1984) و"الصرخة" الذي ظهر في أربعة أجزاء بدايةً من 1996، و"الثعبان وقوس قزح" (1988) و"الناس تحت الدرج" (1991) و"التلال لها عيون" (1977).

صحيح أن كرافن حصل على لقب "مايسترو الخوف"، لكنه كثيراً ما عبّر عن حزنه وتذمّره من شهرته كمخرج لأفلام الرعب، بل اعتبر نفسه حبيساً فيها، حين قال "إن كان علي أن أصنع ما تبقّى لي من أفلام من هذا النوع، فلا بأس. إذا كان قدري أن أكون طيراً حبيساً، فسأغني أفضل أغنية أقدر عليها. لكني أرى أنني قدّمت شيئاً للناس، شيئاً يعنيهم رأيته في عيونهم، وعندما أرى ذلك أقول لنفسي: اصمت وعُد إلى العمل".

رغم هذا الشعور الدفين بالضيق من "الرعب"، لم يسعَ كرافن كثيراً إلى الخروج منه، فلم ينجز سوى أفلام قليلة خارج إطاره، كفيلمه الرومانسي الوحيد "باريس أحبك"، وآخر عن سيرة حياة عازفة الكمان روبيرتا غاسباري بعنوان "موسيقى القلب" الذي قاد ميريل ستريب إلى جائزة الأوسكار سنة 1999.

بالعودة إلى بداياته، نجد أن أحداً لم ينتبه إلى فيلمه الأول "معاً" (1971)، لكن الأمر اختلف مع عمله الثاني "البيت الأخير على اليسار" (1972). أغضب العمل - الذي يُعد اليوم نموذجاً لـ"فيلم الرعب التجريبي"- فئات من المتفرجين، فقد أتى خارج توقعاتهم وفتح عليه نيران النقاد، رغم نجاحه بمعايير شباك التذاكر في البلاد التي عُرض فيها، إذ مُنع في عدد من الدول الأوروبية.

عن ذلك يقول في مقابلة له إن كثيرين اعتبروا العمل "قذراً ومنحرفاً وفظيعاً وسادياً وعنيفاً"، فيما أن الفيلم، المقتبس عن "عذراء الربيع" لإنغمار بيرغمان، لم يقم سوى بطرح أسلوب جريء في تصوير العنف، كان جديداً على السينما الأوروبية.

بعد سنوات، تغيّر هذا النوع من التلقي أو أنه لم يعد موجوداً بتلك الحدّة، غير أن كرافن نفسه لم يُعد كرّة التخفّف من التوقعات أو يختبر رمي كل المحظورات عرض الحائط من جديد، وحين قام بإنتاج النسخة الجديدة من هذا الفيلم في 2009، كانت مختلفة تماماً عن الأولى.

قبل ولوج عالم السينما، كان كرافن قد ترك عمله كأكاديمي في جامعة كلاركسون ليصبح محرّر صوت في شركة إنتاج نيويوركية، ثم قرّر أن ينتقل إلى إخراج أفلام "بورن" حتى أخذته المصادفات إلى صناعة أول فيلم رعب، وكان وقتها فيلماً تحت الطلب.

يقول صاحب "المجيء من الغضب" إنه لم يكن ينوي أن يواصل في هذا الاتجاه، لكن شيئاً سحبه إلى "الرعب" الذي ظلّ لصيقاً به سينمائياً.

المساهمون