وماذا بعد الأسد؟

24 يوليو 2015
+ الخط -
قصدتُ من هذا العنوان الإثارة فقط. لا شكّ أن بشار الأسد سيرحل، عاجلاً أم آجلاً، ولا شكّ أنّ نظامه برمّته سيختفي بعده. ومن لم يصدّق، فليقرأ التاريخ القريب والبعيد، على حدٍّ سواء.
ولعلّ دماغه، أي الأسد، لا يستطيع أن يستوعب أنّه سينتهي، ولا يتفهّم أنّ له خاتمةً ما. هل يراهن على أنّه يؤسّس لدولة متواصلة لآل الأسد واحداً بعد آخر؟ ربّما، لكن هذه المراهنة إذا كان مقدّراً لها أن تستمرّ بينه وبين أبيه، فإنّها لن تستمرّ لأبنائه وأحفاده. وقراءة دقيقة للحالة في سورية وللوضع العربيّ والدولي تؤكّد ذلك.
على أيّ زعيم سياسيّ أن يضع أمامه خيارات، فماذا يضع من خيارات غير توريث ابنه؟ وهل ابنه مؤهَّل عقلياً وفيزيولوجياً ليكون خليفةً له؟ هل سيجد ابنه مجلس شعبٍ آخر يغيّر الدستور في أقلّ من ربع ساعة لينصّبه؟ هل سيجد حاشية تسكت كما سكت عبد الحليم خدّام ومصطفى طلاس وغيرهما؟ هل سيجد من سيحشد الناسَ له بالإكراه في الساحات ليتظاهروا بمظاهر الفرح الكاذبة والولاء المخادع؟
لم يعدْ في سورية ساحات، وأقصد سورية كلّها وليس دمشق وحدها أو اللاذقيّة. ولم يعد هناك مجلس شعب مشابه لذلك المجلس، والذي كان يصدّق كذبه كثيرون، بل صار مجلساً يخجل من كذبه. ولذلك، توارى رئيسه وأعضاؤه عن الأنظار تماماً خلال السنتين الأخيرتين، ولم يعد هناك شخصيّات تتخفّى بقناع المسؤولية، وهم أكثرُ الناس بُعداً عنها. ما تبقّى من النظام: بقايا شخصيّات، حُطام مجلس شعب، خردة وزارة عفنة. ولذلك، لن يتحقّق حُلمه بتوريث ابنه على أقلّ من 22% من مساحة سورية، وهي مساحة تتضاءل وتتقلّص.
حتّى أهل الحلّ والعقد من طائفته صاروا يخضعون للتأديب والتهذيب والضغط حتّى العصر. وممّا حدث بينه وبين ذو الهمّة شاليش ابن عمّته، وخادمه وخادم أبيه من قبله، والحريص على أمنه، أنّ بشّار حين طلب منه مبلغاً ليدعم تكلفة التسليح والتذخير، يزيد على 60% من ثروته، حاول شاليش على مدى أكثر من ستة أشهر المماطلة، وتقديم ما لا يزيد على 20% منها، وهو يفعل ذلك ليقينه أنّ بشّار لن يطالها لأنّها خارج البلاد في استثمارات مع بعض اللبنانيين وغيرهم، فاعتبره غير مكترث بأمر الطائفة، وما آلت إليه من أمور صعبة للغاية، ووصل بينهما الأمر إلى إصدار قرار من المحكمة باتّهامه بالاختلاس والفساد المالي، وهو في الإقامة الجبريّة، أو ربّما في سجن خاصّ.
وهذه ليست أوّل مرّة يقوم بها بشّار بمطالبة رجال الأعمال بدفع مبالغ، بل بدأ بهذه الفكرة منذ عام 2012، وأصرّ عليها في لقائه الأول معهم، ثمّ كرّرها ثانيةً في أواخر 2013، وبعدها هو يسعى لأخذ ما يتمنّى أن يعطوه بشكل إفرادي معهم واحداً واحداً..
فالحالة المالية عصيبة جداً على النظام، وهي تشكّل الضغط الأكبر، قبل الضغط العسكري، خصوصاً أنّه حُرِمَ هذا العام من موارد رزق كبيرة في المحاصيل الزراعية السورية، من قمح وزيتون وثروة حيوانية، إذْ أخذ الفلاح السوريّ قراره بعدم بيع محصوله لمؤسسات النظام، ولم تشترِ المؤسسة الرسمية سوى 300 ألف طن من الأقماح من أصل ثلاثة ملايين طن. وكذلك تقلّص تصدير الثروة الحيوانية إلى أقلّ من الربع، أمّا الزيتون والحمضيّات فلم يعد يصل من مواردها الاقتصادية إلى النظام شيء، بسبب تمكّن المزارع والفلاح السوري من بيع محصوله بمعزل عن مؤسسات النظام وأسعاره.
ونعود إلى سؤالنا: وماذا بعد الأسد؟
هنا يتوجّب على السوريين كافّة، والمعارضة خصوصاً، أن تفوّت على القوى الكبرى والمتوسّطة والصغرى تهيئة رجل لا يناسب السوريين، وهذا ما تعدُّ له دوائر السياسة الدوليّة إعداداً حثيثاً، فالقوى العظمى لا تحبّ المفاجآت، وكذلك (إسرائيل)، والتعاون يجري على قدم وساق لتهيئة رجل يناسبهم، ويقبل به الشارع السوري عموماً. وهذا الأمر سيتحقّق إذا بقيت المعارضة معارضات متناحرة متنافرة، متّجهة نحو مصالحها الذاتية، ومنحّيةً المصلحة السورية العليا عن اهتماماتها.
avata
avata
محمد بن يوسف كرزون (سورية)
محمد بن يوسف كرزون (سورية)