سورية ليست محاصصة

25 اغسطس 2015
+ الخط -
يطرح كثيرون (بالونات اختبار)، بخصوص وضع تصوّر مبدئي عن توزيع أدوار الحكم القادم في سورية، بين الطوائف والأديان والقوميات، وأن تتوزّع المناصب، كما وُزِّعت من قبل في لبنان، ثمّ بعد أكثر من نصف قرن في العراق، وبعدها طرح الفيدرالية في اليمن، وكأنّ المشكلة من أساسها في سورية طائفيّة، أو عرقيّة.
وببدهيّة بسيطة، يمكن أن نقول إنّ المجتمع السوري، بمجمله، لم تكن عنده مشكلة في تسلّم رئيس من طائفة صغيرة نسبياً مقاليد الحكم في سورية، وإنّ ما قام به الشعب ليس لرفض حكم هذه الطائفة، بل لتصحيح مسار الحكم الفاسد، والذي صار فساده يزكم أنوف المجتمع بكلّ طوائفه وقومياته وأديانه.
انتقل الحكم بطريقة وراثية طائفيّة، واضحة تمام الوضوح، في عام 2000 من الرئيس الأب إلى الرئيس الابن، ولم تُرَقْ نقطة دم واحدة من معترضين أو رافضين، لأنّ الرئيس الجديد كانَ يَعِدُ بالديمقراطية والحريات والحداثة والتطوير. وكان يدّعي أنّ عنده أحلاماً تتشارك مع أحلام أغلب أفراد المجتمع، إن لم نقلْ كلّهم، واستبشر أبناء سورية خيراً، فهم لو كانت عندهم مشكلة في ذلك، لهبّوا منذ ذلك اليوم، ولهان التغيير، وحدث بأقلّ من هذه التكاليف الباهظة التي يدفعها السوريون جميعاً اليوم.
وأستطيع أن أقول، وبكلّ ثقة، أن لا مشكلة عند السوريين في طائفة مَنْ يحكمهم، أو دينه، المشكلة كلّها منحصرة في الفساد والتمييز بين المواطنين، وتخويفهم بالأجهزة الأمنية التي لا ترحم، كان المواطن مذنباً أم غير مذنب.
قبل السوريون، بجميع طوائفهم وقومياتهم وأديانهم، مبادئ حزب البعث الذي حكم أكثر من نصف قرن، على أن تُطبَّق هذه المبادئ بنزاهة وعدالة، وانتمى إلى هذا الحزب ملايين السوريين، بألوانهم المختلفة، ووصل إلى مراتب عليا في الحزب، ومنهم من قومية الكرد والتركمان. ولكن، كلّنا كنّا ننتظر تصحيح مسار الحُكم والحزب، ولم يصحّح هذا المسار، بل كان يزداد سوءاً وفساداً يوماً بعد آخر، وتلك هي المشلكة التي كان يُعاني منها السوريون جميعاً.
وعندما صنع السوريون (ربيع دمشق) عام 2001، ردّ عليهم النظام الحاكم ردّاً أمنياً، بدل أن يردّ عليهم بقبول طلباتهم في الإصلاح والديمقراطية والأمن، ففي استراتيجيات الأنظمة المستبدّة غول مخيف، يمكن أن يكسر إرادة المجتمعات. ولكن، لم يخطر ببال المستبدّ أن الكيل إذا طفح لا توقفه أيّ أجهزة أمن، ولا أسلحة متطوّرة، ولا سياسات (فرِّقْ تَسُدْ).
بات النظام في سورية، اليوم، على حافّة الهاوية، والإعداد لمستقبل البلاد يجب أن يكون في أيدي السوريين، ونحن السوريون لا نريد تقسيمات، ولا محاصصات، وإنّما نريد أن يأخذ صاحب الكفاءة والجدارة والوطنية دوره، وأن لا يُظلَمَ مواطن على حساب مواطن، وعندنا من الخبرات والكفاءات ما يكفينا لإعادة بناء وطننا من جديد.
وإذا كانت الولايات المتّحدة أو إيران أو روسيا أو غيرها تخطّط لسورية المستقبل، فإننا نقول لهم جميعاً: سيأتي على رأس الحُكْمِ سوريّ يقلب كلّ توقّعاتكم، ويعمل لصالح وطنه، فقد اشتقنا لوطن حرٍّ عزيز أبيّ، لا يلعب به اللاعبون.
avata
avata
محمد بن يوسف كرزون (سورية)
محمد بن يوسف كرزون (سورية)