توفى مساء السبت مهندس أكثر الانقلابات دموية في تركيا، قبل أن تنتهي محاكمته، الجنرال كنعان إفرين الرئيس السابع في تاريخ الجمهورية التركية، مات في أكاديمية غولهانة العسكرية الطبية في العاصمة التركية أنقرة عن عمر يناهز 98 عاماً.
بعد تخرجه من الأكاديمية الحربية عام 1949، تقلّد إفرين الكثير من الوظائف والمناصب داخل القوات المسلحة التركية كضابط للمدفعية والأركان، وتولّى قيادة الجيش والقوات البرية، وعُيّن بعدها لرئاسة الأركان العامة في 7 مارس/آذار 1978.
بدأت حكاية الانقلاب العسكري في أحداث ديسمبر/كانون الأول عام 1978، عندما طلب رئيس الحكومة حينها بولنت اجاويد من إفرين إدخال الجيش لتهدئة الأمور في عدد من مناطق ولاية كهرمان مرعش، بعد أحداث العنف الطائفي التي اجتاحت الولاية، وقتل على إثرها ما يقارب مائة علوي تركي، ليعلن إفرين الأحكام العرفية في عدد من مناطق الولاية. هذا الأمر، شكّل فرصة لا تعوّض للعسكر لزيادة نفوذهم. فلم تمض أيام، حتى أرسل إفرين رسالة تحذيرية موقّعة منه كقائد للقوات المسلحة التركية ومن قيادات رئاسة هيئة الأركان للرئيس التركي فخري كوروتورك في ما يخصّ التطورات التي كانت تشهدها تركيا، من تنامي حالة الفوضى والاشتباكات بين اليسار واليمين التي أدّت حينها إلى مقتل ما يقارب 5000 شخص، فيما بدت حرباً أهلية مصغّرة.
اقرأ أيضاً: كنعان إفرين.. رحيل قائد الانقلاب في تركيا
في الثمانينيات، كان إفرين الجنرال البطل الذي قاد "الشر الذي لا بدّ منه" الذي منع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية. وعلى الرغم من ذلك، من المستبعد أن يتجرأ أي من السياسيين الحاليين على تقديم العزاء بوفاته، خصوصاً أنّ الانتخابات البرلمانية على الأبواب (7 يونيو/حزيران المقبل). ففي فترة رئاسة إفرين انزلقت تركيا نحو هاوية أكبر، عُطِّل على إثرها الدستور، وحُلّت الأحزاب السياسية، ومنعت القيادات التي كانت قبل الانقلاب من العمل السياسي لعشر سنوات لاحقة، واندلع التمرد المسلح للعمال الكردستاني. وبحسب التقرير الصادر عن البرلمان التركي حول تلك الحقبة، فقد قام انقلابيو الثمانينيات باعتقال أكثر من 650 ألف مواطن، ومعاقبة أكثر من مليون ونصف مليون آخرين، كما فتح أكثر من 210 آلاف دعوى قضائية بحق الناشطين السياسيين، حُكِم على إثرها أكثر من 230 ألف منهم. وطلب الادعاء العام في تلك الحقبة، حكم الإعدام لأكثر من سبعة آلاف شخص، حصل منهم 517 مواطناً على الحكم الذي تم تنفيذه بخمسين من بينهم أطفال، بالإضافة إلى أعمال التعذيب الوحشية في السجون ومئات القتلى الذين سقطوا تحت التعذيب، كما سحبت الجنسية التركية من أكثر من 14 ألف ناشط سياسي، وتوقفت الصحف التركية لأكثر من 300 يوم بعد الانقلاب.
يبرّر إفرين كل هذا بـ "إعادة هيبة الدولة"، إذ أكّد في أحد تصريحاته التلفزيونية عام 2006، أنّ يده لم ترتعش قط في توقيع أحكام الإعدام، "شنقنا واحداً من اليمين وآخر من اليسار"، مضيفاً، "لم يؤنبني ضميري قط، لقد كان هناك سبب لكل حكم إعدام، لم ترتعش يدي، بل لم ترتعش أيدينا، هل كان علينا أن نطعم السجناء لسنوات في السجن بدل إعدامهم؟!"، وفي ما يخصّ أعمال التعذيب الوحشية قال إفرين، "نعم أعترف، لم نقف في وجه التعذيب في السجون، وبسبب ذلك، أصبح عدد من المواطنين معاقين كما قُتل بعضهم، لقد توسلنا لهم بألا يفعلوا ذلك، لكنهم لم يستمعوا لنا، كانت أحداث مؤسفة". بعد الانقلاب، أصبح إفرين رئيساً رسمياً للجمهورية التركية بعد الدستور الذي قدّم للاستفتاء الشعبي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1982، والذي حمى الانقلابيين من المحاكمة ومنحهم الشرعية، وذلك في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، حتى 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989.
اقرأ أيضاً: إعادة التحقيقات بـ"المطرقة" التركية
وفي مواجهة اليسار التركي وحزب العمال الكردستاني، اتبعت الدولة التركية حينها سياسة خليط بين الفكر القومي والإسلامي، لتتبنى الدولة ما عرف لاحقاً "بالإسلام التركي" كأيديولوجية رسمية للدولة على المستوى الثقافي والتعليمي، إذ أعيدت لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية، الدروس الدينية الإجبارية إلى المدارس التركية، وتوسّعت في بناء المساجد، لتكون هذه السياسة أهم الروافع التعليمية للإسلام السياسي التركي، أوصلت حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في ما بعد إلى الحكم عام 1997. كذلك انهار الاقتصاد التركي بعد انقلاب إفرين، لينخفض معدل النمو من 7 بالمائة إلى 2، وانخفض مستوى دخل الفرد من 1300 دولار إلى 100 دولار، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى مليون ونصف مليون.
جاء استفتاء 2010 الدستوري ليرفع الحصانة عن العسكر، لتبدأ محاكمة جميع الانقلابيين الذين لم يبق منهم على قيد الحياة إلّا إفرين وزميله تحسين شاهين كاية قائد القوات الجوية في حقبة الانقلاب، والذي يبلغ من العمر 89 عاماً.
بعد تخرجه من الأكاديمية الحربية عام 1949، تقلّد إفرين الكثير من الوظائف والمناصب داخل القوات المسلحة التركية كضابط للمدفعية والأركان، وتولّى قيادة الجيش والقوات البرية، وعُيّن بعدها لرئاسة الأركان العامة في 7 مارس/آذار 1978.
بدأت حكاية الانقلاب العسكري في أحداث ديسمبر/كانون الأول عام 1978، عندما طلب رئيس الحكومة حينها بولنت اجاويد من إفرين إدخال الجيش لتهدئة الأمور في عدد من مناطق ولاية كهرمان مرعش، بعد أحداث العنف الطائفي التي اجتاحت الولاية، وقتل على إثرها ما يقارب مائة علوي تركي، ليعلن إفرين الأحكام العرفية في عدد من مناطق الولاية. هذا الأمر، شكّل فرصة لا تعوّض للعسكر لزيادة نفوذهم. فلم تمض أيام، حتى أرسل إفرين رسالة تحذيرية موقّعة منه كقائد للقوات المسلحة التركية ومن قيادات رئاسة هيئة الأركان للرئيس التركي فخري كوروتورك في ما يخصّ التطورات التي كانت تشهدها تركيا، من تنامي حالة الفوضى والاشتباكات بين اليسار واليمين التي أدّت حينها إلى مقتل ما يقارب 5000 شخص، فيما بدت حرباً أهلية مصغّرة.
اقرأ أيضاً: كنعان إفرين.. رحيل قائد الانقلاب في تركيا
في الثمانينيات، كان إفرين الجنرال البطل الذي قاد "الشر الذي لا بدّ منه" الذي منع البلاد من الانزلاق إلى حرب أهلية. وعلى الرغم من ذلك، من المستبعد أن يتجرأ أي من السياسيين الحاليين على تقديم العزاء بوفاته، خصوصاً أنّ الانتخابات البرلمانية على الأبواب (7 يونيو/حزيران المقبل). ففي فترة رئاسة إفرين انزلقت تركيا نحو هاوية أكبر، عُطِّل على إثرها الدستور، وحُلّت الأحزاب السياسية، ومنعت القيادات التي كانت قبل الانقلاب من العمل السياسي لعشر سنوات لاحقة، واندلع التمرد المسلح للعمال الكردستاني. وبحسب التقرير الصادر عن البرلمان التركي حول تلك الحقبة، فقد قام انقلابيو الثمانينيات باعتقال أكثر من 650 ألف مواطن، ومعاقبة أكثر من مليون ونصف مليون آخرين، كما فتح أكثر من 210 آلاف دعوى قضائية بحق الناشطين السياسيين، حُكِم على إثرها أكثر من 230 ألف منهم. وطلب الادعاء العام في تلك الحقبة، حكم الإعدام لأكثر من سبعة آلاف شخص، حصل منهم 517 مواطناً على الحكم الذي تم تنفيذه بخمسين من بينهم أطفال، بالإضافة إلى أعمال التعذيب الوحشية في السجون ومئات القتلى الذين سقطوا تحت التعذيب، كما سحبت الجنسية التركية من أكثر من 14 ألف ناشط سياسي، وتوقفت الصحف التركية لأكثر من 300 يوم بعد الانقلاب.
اقرأ أيضاً: إعادة التحقيقات بـ"المطرقة" التركية
وفي مواجهة اليسار التركي وحزب العمال الكردستاني، اتبعت الدولة التركية حينها سياسة خليط بين الفكر القومي والإسلامي، لتتبنى الدولة ما عرف لاحقاً "بالإسلام التركي" كأيديولوجية رسمية للدولة على المستوى الثقافي والتعليمي، إذ أعيدت لأول مرة منذ تأسيس الجمهورية، الدروس الدينية الإجبارية إلى المدارس التركية، وتوسّعت في بناء المساجد، لتكون هذه السياسة أهم الروافع التعليمية للإسلام السياسي التركي، أوصلت حزب الرفاه بقيادة نجم الدين أربكان في ما بعد إلى الحكم عام 1997. كذلك انهار الاقتصاد التركي بعد انقلاب إفرين، لينخفض معدل النمو من 7 بالمائة إلى 2، وانخفض مستوى دخل الفرد من 1300 دولار إلى 100 دولار، ووصل عدد العاطلين عن العمل إلى مليون ونصف مليون.
جاء استفتاء 2010 الدستوري ليرفع الحصانة عن العسكر، لتبدأ محاكمة جميع الانقلابيين الذين لم يبق منهم على قيد الحياة إلّا إفرين وزميله تحسين شاهين كاية قائد القوات الجوية في حقبة الانقلاب، والذي يبلغ من العمر 89 عاماً.