وطني حبيبي

11 اغسطس 2015
"والعزم في قلوبنا" (Getty)
+ الخط -
"وطني حبيبي الوطن الأكبر
يوم ورا يوم أمجاده بتكبر"

رحم الله الشاعر أحمد شفيق كامل، الذي كتب هذه الكلمات عام 1960، ومحمد عبد الوهاب الذي لحّن المقاطع الشعرية، والفنانين الذين شدوا بها، وهم من الراحلين: عبد الحليم حافظ وصباح وفايدة كامل وهدى سلطان ووردة الجزائرية وفايزة أحمد، والأحياء شادية ونجاة الصغيرة.

رحم الله تلك الأيام عندما كانت تُكتب وتُلحّن وتُغنّى الكلمات لقضية تؤكد أنّ في هذه الأرض وعليها ما يستحق الحياة، على حد قول شاعرنا الكبير محمود درويش. قضية تستأهل النشيد، وتحفّز نحو مزيد من الأمل واليقين بمستقبل ما لهذه الأمة بين الأمم والشعوب. وأنّ هذا الشعب من محيطه الى خليجه، من أقصى جزره جنوباً وشرقاً المغتسلة بمياه المحيط الهندي والخليج، الى أقصى غربه وسط مياه الأطلسي، مروراً بشواطئ شماله، سينهض ثانيةً من ركام الموت.

طوال سنوات، بل عقود، كانت تقال كلمات تعبّر عن طموح هذا الشعب نحو كسر التجزئة وصياغة الوحدة والتحرّر من قوى الاستعمار والتبعية، وتحقيق التنمية عبر بناء السدود والمصانع وإقامة المدارس والكليات والمعاهد والجامعات، وتأميم الثروات المنهوبة. سقى الله تلك الأيام التي كانت فيها للكلمة قدسية القضية التي تعبّر عنها، وكان هناك ما يشبه المسلَّمة التي لا خروج منها وعنها، في أنّ حلم ومصير هذه المنطقة واحد، مهما كان ثقل تجزئة الوقائع وقساوتها. كانت المنطقة العربية تمر بتجربة غنية في محاولات انتزاع حقها في صنع مستقبلها بالعرق والكدح والكتاب والبندقية.

الآن نتذكر أو نقرأ أو نسمع هذه الكلمات، وكأنها تأتينا من عالم بعيد. من فضاء آخر بيننا وبينه ملايين الأميال الضوئية. يحدونا الحنين الى دور لا بدّ من استعادته، مهما بذل الغالي والنفيس لبلوغه. وحتى ولو كانت كلفته مدفوعة بالدماء والدموع والعذابات الغالية. نقرأ ذلك فلا نتذكر أنّ الكلمات قالها شاعر من أرضنا، ولحّنها ملحّن من أبناء جلدتنا، وغنّتها أفواه فنانات وفنانين نشأوا وعاشوا بيننا، وملأت أصواتهم الصارخة بلغتنا أسماعنا وحناجرنا. لقد نسينا المسافات الفاصلة بيننا وبينهم، فاذا بنا ـ نحن الناس العاديين ـ هم. وهم ـ ممّن نرى صورهم في الأشرطة وعلى صفحات الصحف ـ نحن. نندفع وسط صخب الحروب أو التظاهرات دفاعا عن فلسطين ومن أجل تحرر الجزائر واليمن وكل أرض عربية.

لكننا إذ نفتح أعيننا اليوم، نجد أمامنا وخلفنا وفوقنا وتحتنا هذا الخراب العظيم الذي يوقظنا من عالمنا الحلمي. نخرج من جنة الذاكرة الى جحيم الواقع اليومي، فماذا نرى أمامنا من مشاهد؟

*أستاذ في كلية التربية- الجامعة اللبنانية

إقرأ أيضاً: ما العمل؟
المساهمون