هيئة الحقيقة والكرامة في تونس.. وسؤال المكاشفة

14 يناير 2015
هل مَن في الحكم يملك السلطة؟ (الأناضول)
+ الخط -

كان قانون العدالة الانتقالية المؤرخ في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2013 الإطار التشريعي الذي تنطلق منه وتتحرك فيه هيئة الحقيقة والكرامة التي رأت النور في يونيو/ حزيران 2014. هذه الهيئة التي تضم نشطاء حقوقيين وممثلين عن ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان وممثلين عن جهات أخرى ذات صلة.. ودون الخوض في كل ما قيل حولها وحول مكوناتها وتهمة المحاصصة الحزبية ومدى وجاهة تمثيلية الضحايا، تجدر الإشارة فقط إلى أن غالبية أعضاء الهيئة من القامات النضالية الحقوقية وكانوا من أشد وأشرس المدافعين عن حقوق الإنسان في زمن القمع النوفمبري والبورقيبي.. ولكن ما يهمنا اليوم هو كيف السبيل إلى الحقيقة والكرامة!

لقد كان أول اختبار للهيئة يوم 26 ديسمبر 2014، يوم توجهت إلى قصر قرطاج لتسلّم أرشيف الرئاسة، وهو إجراء قانوني، فتم منعها من قبل نقابة أعوان الأمن الرئاسي على خلفية عدم تلقيهم تعليمات في الغرض، في حين أن رئيس الجمهورية المنتهية ولايته، المنصف المرزوقي، قد سمح للهيئة بتسلم الأرشيف.. وهنا تطرح عديد من الأسئلة.. مَن يحكم تونس اليوم.. القانون أم التعليمات؟ وهل من في الحكم يملك السلطة؟ وهل يمكن استجلاء الحقيقة واسترجاع الكرامة في مثل هذه الظرفية؟

دور هيئة الحقيقة والكرامة من حيث المبدأ أساسي لاستكمال عملية الانتقال الديمقراطي وتثبيت واقع الحريات كخيار حضاري إنساني يعبّر عن رقيّ مدنيّ وحالة اجتماعية خلاّقة، ولكن قانون العدالة الانتقالية الذي بتعويمه للحقبة التاريخية التي ستنظر فيها الهيئة، من 1955 إلى 2013، وتعميمه لشرائح اجتماعية وسياسية متعددة ومختلفة تعرضت للظلم والقمع والاضطهاد، يخلق تعقيدات وتفرعات في مهام الهيئة، يجعلها بطيئة وقليلة النجاعة، كما يمدد في آجال العمل، وهو ما يجعل استرجاع الحقوق وكشف الحقيقة والمساءلة عملية مرهونة بالقدرة والاقتدار، وهما عنصران غائبان حالياً عن الهيئة.. وهذا جزء من الاخلالات الموجودة في القانون وفي مهام الهيئة.

أما سياسياً، فإن الهيئة كانت نتاج ورشات تفكير عابرة للقارات حاول القائمون عليها إقناع الضحية وعموم الشعب التونسي أنها تصب في خانة الاستفادة من التجارب المماثلة لدول عاشت الوضعية نفسها في أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية وأفريقيا.. كما تم التواصل مع مكونات المجتمع المدني المحلي في لقاءات ومنتديات وحلقات نقاش، ولكنها لم تجد لها صدى في النص القانوني، قانون العدالة الانتقالية، لأن المسألة تم التعاطي معها كلغم يجب تفكيكه بعيداً عن الشعب، وعن حسّه الجمعي بالظلم والتضامن مع الضحايا.. تم تفكيكه سياسياً عبر الإعلام، بشيطنة القانون والهيئة والضحية أيضاً، وبالضغط الدولي من طرف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، عبر أذرعتهما المدنية من جمعيات ومؤسسات وجهات تمويلية، على القوى الحزبية المحلية، حزب حركة النهضة مثلاً، الذي يعتبر من أكثر الأحزاب المعنية بالقانون والهيئة، على اعتبار أن العدد الأكبر من الضحايا هم من مناضليه.

هذه بعض الإشارات لعملية الاستيلاء على حلم شعب في معرفة الحقيقة واسترجاع الحقوق ومحاسبة المذنبين وعملية تفريغ ممنهجة لروح النص القانوني ومحاصرة عمل الهيئة بعد ذلك من خلال الدولة وأجهزتها، التي من المفترض أن تكون هي الضامنة لنجاح عملها، لا الضامنة للتضييق عليه وتحويلها إلى جهاز بيروقراطي كل همّه اللوجستيات والأرشفة والإحصاء والتعداد، وكأن الهيئة هيئة تراث ومتاحف، لا هيئة حقيقة وكرامة.. وهذا أول دفعات سؤال المكاشفة..


*تونس

المساهمون