هل ينقرض الكتاب؟

28 سبتمبر 2015
هل ينقرض الكتاب؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
لقد حاول الإنسان مذ وجد على هذه الأرض أن ينقل روحه وفكره إلى صخرة أو إلى جدار كهف، إذ إن هذا الإنسان مذ استطاع استيعاب فكرة أن أصابعه قادرة على ترك أثر يدل عليه بدأ تاريخ حضارته الحقيقي، فهو الذي حاول أولاً أن ينقل تفاصيل حياته وأفكاره بالرسم والتصوير، وأن يوثق بهما كل ما يعيش أو حتى يخاف منه، وذلك ربما ليحمي حياته من الفناء. وشيئاً فشيئاً تحولت هذه الرسومات إلى لغة لها أبجديتها، ثم أخذت هذه اللغة بالتطور والتجديد والتنوع، وحصل عليها الكثير من التغييرات بناء على المكان والزمان، وتميّز الأشخاص لنصل إلى عالم حديث يحتوي على كل هذا العدد من اللغات.
لكن السؤال الذي يبقى حاضراً هو إلى أي درجة يترك الإنسان بعضاً من روحه وخصوصيته بطريقة وشكل ما يخطه من أثر؟ فهل نحن حين نكتب بالقلم ننقل بعضاً من شخصياتنا إلى هذا الورق الأصم وليس بنوع ما نكتب فقط وإنما بالشكل الذي نكتب فيه أيضاً؟ وهل كانت فعلاً خطوط الروائيين مثلاً تعطي للقارئ فعلاً قرباً أكثر من شخصية الكاتب ومن النص المكتوب؟ وهل هذا ما جعل الكثيرين يقولون عند بدء اختراع الآلة الكاتبة أو الطباعة أن الكتب قد خسرت كثيراً من روحها بعد أن خسرت خطوط اليد التي كتبتها؟
لكن مع تقدم العلم انتهت تماماً المرحلة القصيرة للكتب والروايات المنسوخة بخطوط أصحابها واعتاد الناس القراءة بخط الآلات الكاتبة ولم يعودوا يفقدون روح الكاتب بالنص، فقد أثبت النص نفسه بمعزل عن طريقة كتابته، إذ إن العلاقة الأقوى هي بين القارئ والنص أي بين القارئ والكتاب، والآن، ومع التقدم السريع والمذهل لعلم الإلكترونيات ووسائل الاتصالات الحديثة بدأ زمن جديد هو زمن الكتاب الإلكتروني، وأصبح كل واحد منا قادراً على تحميل مكتبة كاملة على كومبيوتره أو حتى على هاتفه المحمول وقادراً على اختيار أي كتاب أيضاً والتنقل من كتاب لآخر، لكن كثيرين منا يقولون الآن إن القراءة على الشاشة هي أقل متعة وألفة بكثير من القراءة من الكتاب، ويقولون إن لا شيء يضاهي حضور الكتاب الورقي بين يديه، لكن هل يستطيع الزمن أن يفرض علينا تغيير آرائنا من خلال تطوره المذهل والسريع، وهل سينسى أولادنا مثلاً الكتاب الورقي نهائياً ويعتمدون دائماً الكتاب الإلكتروني وربما يسخرون من كل ما قلناه.
دلالات
المساهمون