لم يكن إغلاق موقع "تويتر" شبكةً من الحسابات الوهمية التي تروّج للدعاية السعودية في موضوع اختفاء الصحافي جمال خاشقجي، مفاجئاً. إذ تعتمد السعودية، إلى جانب غيرها من الأنظمة وعلى رأسها روسيا، على الروبوتات الإلكترونية bots، لتشكيل رأي عام، يوحي بالشعبية الجارفة لخيارات النظام وممارساته. إلى جانب سعي هذه الروبوتات إلى تهديد وتخويف أصحاب الحسابات الذين يتجرأون على انتقاد السعودية ونظام حكمها.
منذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في المملكة في 21 يونيو/حزيران 2017، بدا أن الاعتماد على "الذباب الإلكتروني" جزء أساسي من خطة الأمير الشاب.
لكن بداية، ما هو الذباب الإلكتروني؟
الذباب الإلكتروني تسمية تطلق على الجيش الإلكتروني الذي يقود المعركة الافتراضية للدفاع عن النظام السعودي. يختلف اسم هذا الجيش بين بلد وآخر: اللجان الإلكترونية في مصر، أو الجيش السوري الإلكتروني في سورية مثلاً. أما تسمية "الذباب" فظهرت في الخليج بعد فرض الحصار على قطر، في 5 يونيو/حزيران 2017، من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
يتألّف الذباب الإلكتروني من مجموعة ضخمة من الحسابات الوهمية أو الروبوتات الإلكترونية، التي تبدو كأنها حسابات تابعة لأشخاص حقيقيين، لكنها ليست كذلك إطلاقاً. بل هي برامج حاسوبية تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل خاص "تويتر" لنشر الدعاية السياسية في أغلب الأحيان.
يشرح الباحث في الشؤون الخليجية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر البريطانية، مارك أوين جونز، في حديث مع قناة "بي بي سي" قبل عام تقريباً، أنه رصد النشاط السعودي على حسابات "تويتر" وتبينّ معه بعد تحليلها وتتبعها أن أكثر من نصف الحسابات التي تغرّد من السعودية هي "بوتس" أو وهمية وغير تابعة لأشخاص حقيقيين.
أما طريقة عمل "الذباب الإلكتروني" فهي بسيطة تشبه أغلب الجيوش الإلكترونية، التي تعمل في مجال بروباغندا الأنظمة (القمعية في أغلب الأحيان): تقوم هذه الروبوتات بما يسميه جونز بـ"تسميم الوسوم hashtag poisoning" الذي يقوم على الهجوم المنظّم على وسم معيّن وإغراقه بالتغريدات المؤيدة للنظام والتضييق على أي رأي يخالف رأي النظام، وبالتالي إضاعة النقاش الحقيقي الذي أنشئ من أجله الوسم.
الذباب يضلّل قضية خاشقجي
ليل الخميس ــ الجمعة، أوقف موقع تويتر شبكة كاملة من الحسابات السعودية الوهمية التي كانت تغرّد تأييداً لمحمد بن سلمان ورفضاً لاتهام السعودية بإخفاء/اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. فما الذي حصل تحديداً، علماً أن هذه الحسابات ليست بأغلبها جديدة؟
قدّمت شبكة NBC الأميركية لـ"تويتر" دلائل علمية جمعها الباحث جوش راسل، تشير إلى استخدام السعودية هذه الحسابات الوهمية التي كانت تقوم بنشر مئات التغريدات الدعائية للسعودية، بالصيغة نفسها وفي الوقت نفسه على الموقع.
وأكد موظف في "تويتر" لم يذكر اسمه، أن الموقع كان على علم بوجود كل هذه الحسابات التي تروّج لدعاية مدافعة عن النظام السعودي، وقام بالفعل بإيقافها.
وذكر الباحث بن نيمو لموقع NBC أن طريقة عمل هذه الحسابات سمحت لهم بالتهرّب من رقابة "تويتر": "كانوا يبثون المحتوى نفسه بالتسلسل نفسه في الوقت نفسه، لكن توقيت نشر تغريداتهم لم يكن عشوائيا بل كانوا يعرفون متى ينشرونها". وشرح أن الهدف الأساسي من هذه التغريدات هو خلق رأي عام موجّه من خلال ضخ آلاف التغريدات حول الموضوع نفسه أي الدفاع عن المملكة، وتصوير كل التطورات الحاصلة في قضية خاشقجي كحملة تستهدف المملكة بشكل خاص.
وبيّنت عملية الرصد التي قام بها راسل أن هذه الروبوتات الإلكترونية شاركت بشكل مكثّف في التغريد على وسوم وصلت إلى قائمة الأكثر تداولاً حول العالم بينها وسم #كلنا_ثقه_في_محمد_بن_سلمان (250 ألف تغريدة) أو #إلغاء_متابعة_أعداء_الوطن (100 ألف تغريدة أغلبها على شكل إعادة تغريد retweet وهو مؤشر لنشاط وهمي).
في مقابلة نشرت قبل يومين مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، يشرح مسار عمل هذه الروبوتات منذ اختفاء خاشقجي: "لقد كان هناك ارتفاع كبير في عدد الحسابات الوهمية السعودية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. الوسم الذي أعلن اختطاف خاشقجي اختفى فجأة وبسرعة كبيرة من قائمة الأكثر تداولاً في السعودية يوم الثاني من أكتوبر، وهو ما يعني أن هناك جيشاً من الحسابات الوهمية عمل على دفنه، وقد ظهرت مكانه وسوم سخيفة لتتصدر قائمة الأكثر تداولاً".
ويضيف جونز شارحاً آلية عمل هذه الحسابات الوهمية: "بعض الأطراف السعودية التي يعتقد أنها وراء إنشاء هذه الحسابات الوهمية اشترت برامج محددة تساعدها على خلق الروبوتات. أحد هذه الأطراف حساب "سعودي 24"، وهو حساب إخباري سعودي يتباهى بملايين المتابعين على تويتر وقد تم حجبه يوم الخميس على تويتر".
جونز ذهب أبعد في بحثه عن مصدر إنشاء هذه الحسابات الوهمية ليجد أن البيانات تقوده إلى مبرمج مصري أعلن بشكل عام على حساباته على مواقع التواصل أنه يؤّمن برامج مصممة لإنشاء حسابات وهمية على "تويتر" بشكل تلقائي. "في صفحة صالح، التي تتضمن روابط إلى حساب تويتر "سعودي 24" أعلن عن برنامج يسمح له بإنشاء عشرات المواقع الإخبارية الجديدة بملايين المتابعين ما يجعلها تبدو مصادر موثوق فيها وذات مصداقية للأخبار".
حصار قطر يكشف الذباب
ليست هذه المرة الأولى التي يستعين فيها السعوديون بجيشهم الإلكتروني بهذا الشكل المكثّف. الحدث الأشهر كان طبعاً مع بدء الحصار على قطر. إذ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في الذكرى الأولى للحصار تقريراً مفصلاً حول استخدام دول الحصار الروبوتات الإلكترونية bots طيلة هذه السنة. ووفق الأرقام التي كشفها هذا التقرير تبيّن ما يلي: 17 في المائة من عينة عشوائية من التغريدات العربية، التي ذكرت دولة قطر، تم تغريدها بواسطة البوتات، وبحلول شهر مايو/أيار ارتفع الرقم إلى 29 في المائة. وقامت هذه الحسابات الوهمية بمهمة شبه مستحيلة وهي تضخيم وتسليط الضوء على تغريدات قلة قليلة من الشخصيات التي تنتقد قطر، مثل حساب QatariLeaks مجهول المصدر. فكانت تتم إعادة نشر تغريدات هذا الحساب بشكل كبير، من قبل مئات الحسابات بشكل تلقائي في اللحظة نفسها.
وكشف البحث نفسه أن 0.6 في المائة فقط من الحسابات تحرك حوالي 75 في المائة من النقاش في "تويتر"، بحيث تحظى هذه الأقلية التي تقود النقاش بدفعة قوية من الروبوتات، خاصةً إذا كانت تعبّر عن مشاعر معادية للقطريين.
زيارة دونالد ترامب إلى السعودية
عمل الروبوتات لا يركّز على الأزمات الكبرى فقط في المملكة. فمثلاً عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية في شهر مايو/أيار 2017، تصدّر وسم "مرحبا_بترامب_بدوله_الحزم" قائمة الأكثر تداولاً في المملكة مع آلاف التغريدات، المتشابهة والتي تبيّن وفق موقع "بحرين ووتش" أنّ أغلبها من روبوتات.
منذ وصول الأمير محمد بن سلمان إلى ولاية العهد في المملكة في 21 يونيو/حزيران 2017، بدا أن الاعتماد على "الذباب الإلكتروني" جزء أساسي من خطة الأمير الشاب.
لكن بداية، ما هو الذباب الإلكتروني؟
الذباب الإلكتروني تسمية تطلق على الجيش الإلكتروني الذي يقود المعركة الافتراضية للدفاع عن النظام السعودي. يختلف اسم هذا الجيش بين بلد وآخر: اللجان الإلكترونية في مصر، أو الجيش السوري الإلكتروني في سورية مثلاً. أما تسمية "الذباب" فظهرت في الخليج بعد فرض الحصار على قطر، في 5 يونيو/حزيران 2017، من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
يتألّف الذباب الإلكتروني من مجموعة ضخمة من الحسابات الوهمية أو الروبوتات الإلكترونية، التي تبدو كأنها حسابات تابعة لأشخاص حقيقيين، لكنها ليست كذلك إطلاقاً. بل هي برامج حاسوبية تستغل مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل خاص "تويتر" لنشر الدعاية السياسية في أغلب الأحيان.
يشرح الباحث في الشؤون الخليجية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر البريطانية، مارك أوين جونز، في حديث مع قناة "بي بي سي" قبل عام تقريباً، أنه رصد النشاط السعودي على حسابات "تويتر" وتبينّ معه بعد تحليلها وتتبعها أن أكثر من نصف الحسابات التي تغرّد من السعودية هي "بوتس" أو وهمية وغير تابعة لأشخاص حقيقيين.
أما طريقة عمل "الذباب الإلكتروني" فهي بسيطة تشبه أغلب الجيوش الإلكترونية، التي تعمل في مجال بروباغندا الأنظمة (القمعية في أغلب الأحيان): تقوم هذه الروبوتات بما يسميه جونز بـ"تسميم الوسوم hashtag poisoning" الذي يقوم على الهجوم المنظّم على وسم معيّن وإغراقه بالتغريدات المؤيدة للنظام والتضييق على أي رأي يخالف رأي النظام، وبالتالي إضاعة النقاش الحقيقي الذي أنشئ من أجله الوسم.
Twitter Post
|
الذباب يضلّل قضية خاشقجي
ليل الخميس ــ الجمعة، أوقف موقع تويتر شبكة كاملة من الحسابات السعودية الوهمية التي كانت تغرّد تأييداً لمحمد بن سلمان ورفضاً لاتهام السعودية بإخفاء/اغتيال الصحافي جمال خاشقجي. فما الذي حصل تحديداً، علماً أن هذه الحسابات ليست بأغلبها جديدة؟
قدّمت شبكة NBC الأميركية لـ"تويتر" دلائل علمية جمعها الباحث جوش راسل، تشير إلى استخدام السعودية هذه الحسابات الوهمية التي كانت تقوم بنشر مئات التغريدات الدعائية للسعودية، بالصيغة نفسها وفي الوقت نفسه على الموقع.
وأكد موظف في "تويتر" لم يذكر اسمه، أن الموقع كان على علم بوجود كل هذه الحسابات التي تروّج لدعاية مدافعة عن النظام السعودي، وقام بالفعل بإيقافها.
وذكر الباحث بن نيمو لموقع NBC أن طريقة عمل هذه الحسابات سمحت لهم بالتهرّب من رقابة "تويتر": "كانوا يبثون المحتوى نفسه بالتسلسل نفسه في الوقت نفسه، لكن توقيت نشر تغريداتهم لم يكن عشوائيا بل كانوا يعرفون متى ينشرونها". وشرح أن الهدف الأساسي من هذه التغريدات هو خلق رأي عام موجّه من خلال ضخ آلاف التغريدات حول الموضوع نفسه أي الدفاع عن المملكة، وتصوير كل التطورات الحاصلة في قضية خاشقجي كحملة تستهدف المملكة بشكل خاص.
وبيّنت عملية الرصد التي قام بها راسل أن هذه الروبوتات الإلكترونية شاركت بشكل مكثّف في التغريد على وسوم وصلت إلى قائمة الأكثر تداولاً حول العالم بينها وسم #كلنا_ثقه_في_محمد_بن_سلمان (250 ألف تغريدة) أو #إلغاء_متابعة_أعداء_الوطن (100 ألف تغريدة أغلبها على شكل إعادة تغريد retweet وهو مؤشر لنشاط وهمي).
في مقابلة نشرت قبل يومين مع صحيفة "الإندبندنت" البريطانية، يشرح مسار عمل هذه الروبوتات منذ اختفاء خاشقجي: "لقد كان هناك ارتفاع كبير في عدد الحسابات الوهمية السعودية خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول. الوسم الذي أعلن اختطاف خاشقجي اختفى فجأة وبسرعة كبيرة من قائمة الأكثر تداولاً في السعودية يوم الثاني من أكتوبر، وهو ما يعني أن هناك جيشاً من الحسابات الوهمية عمل على دفنه، وقد ظهرت مكانه وسوم سخيفة لتتصدر قائمة الأكثر تداولاً".
ويضيف جونز شارحاً آلية عمل هذه الحسابات الوهمية: "بعض الأطراف السعودية التي يعتقد أنها وراء إنشاء هذه الحسابات الوهمية اشترت برامج محددة تساعدها على خلق الروبوتات. أحد هذه الأطراف حساب "سعودي 24"، وهو حساب إخباري سعودي يتباهى بملايين المتابعين على تويتر وقد تم حجبه يوم الخميس على تويتر".
جونز ذهب أبعد في بحثه عن مصدر إنشاء هذه الحسابات الوهمية ليجد أن البيانات تقوده إلى مبرمج مصري أعلن بشكل عام على حساباته على مواقع التواصل أنه يؤّمن برامج مصممة لإنشاء حسابات وهمية على "تويتر" بشكل تلقائي. "في صفحة صالح، التي تتضمن روابط إلى حساب تويتر "سعودي 24" أعلن عن برنامج يسمح له بإنشاء عشرات المواقع الإخبارية الجديدة بملايين المتابعين ما يجعلها تبدو مصادر موثوق فيها وذات مصداقية للأخبار".
حصار قطر يكشف الذباب
ليست هذه المرة الأولى التي يستعين فيها السعوديون بجيشهم الإلكتروني بهذا الشكل المكثّف. الحدث الأشهر كان طبعاً مع بدء الحصار على قطر. إذ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في الذكرى الأولى للحصار تقريراً مفصلاً حول استخدام دول الحصار الروبوتات الإلكترونية bots طيلة هذه السنة. ووفق الأرقام التي كشفها هذا التقرير تبيّن ما يلي: 17 في المائة من عينة عشوائية من التغريدات العربية، التي ذكرت دولة قطر، تم تغريدها بواسطة البوتات، وبحلول شهر مايو/أيار ارتفع الرقم إلى 29 في المائة. وقامت هذه الحسابات الوهمية بمهمة شبه مستحيلة وهي تضخيم وتسليط الضوء على تغريدات قلة قليلة من الشخصيات التي تنتقد قطر، مثل حساب QatariLeaks مجهول المصدر. فكانت تتم إعادة نشر تغريدات هذا الحساب بشكل كبير، من قبل مئات الحسابات بشكل تلقائي في اللحظة نفسها.
وكشف البحث نفسه أن 0.6 في المائة فقط من الحسابات تحرك حوالي 75 في المائة من النقاش في "تويتر"، بحيث تحظى هذه الأقلية التي تقود النقاش بدفعة قوية من الروبوتات، خاصةً إذا كانت تعبّر عن مشاعر معادية للقطريين.
زيارة دونالد ترامب إلى السعودية
عمل الروبوتات لا يركّز على الأزمات الكبرى فقط في المملكة. فمثلاً عند زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب السعودية في شهر مايو/أيار 2017، تصدّر وسم "مرحبا_بترامب_بدوله_الحزم" قائمة الأكثر تداولاً في المملكة مع آلاف التغريدات، المتشابهة والتي تبيّن وفق موقع "بحرين ووتش" أنّ أغلبها من روبوتات.