11 يونيو 2016
هذه العنصرية ضد السوري
قد يمكنك تفسير سبب عنصرية الشعب اللبناني (أو الشعوب اللبنانية؟) تجاه العمال الأجانب الآتين من سريلانكا أو الهند أو بنغلادش، من دون أن تبرر هذا الحال طبعاً، كما هو شأن تفسيرك عنصريتهم تجاه الأفارقة، وحتى تجاه العربي الخليجي أو المصري أو المغربي. ولكن، كيف نفسر العنصرية اللبنانية ضد السوري والفلسطيني؟ على ماذا تستند، أو من أين تنبع؟ على ماذا تستند لترى نفسك مختلفاً عمّن تشترك معه في اللغة، لا بل اللهجة أحياناً، والتاريخ والجغرافيا والثقافة والعرق والنسب... والتخلُّف عن ركب الحضارة؟ نزوح مليون ونصف مليون إنسان إلى بلد صغير، متعثر أصلا، سيفاقم مشكلاته ويعرّضه للأزمات والمخاطر. ولكن، هذه مسؤولية الدولة، ومن واجباتها ومهماتها إيجاد الحلول والتسويات مع الخارج، عبر المؤسسات والقوانين الدولية، ومع الداخل عبر مؤسسات المجتمع المدني، لتنظيم ما يمكن تنظيمه وتحسين ما يمكن تحسينه. وبعدها، لا بأس بالاتكال على أصحاب الهمم من المواطنين للمساهمة بما أمكن. أمّا المواطن الغاضب والقلق على الأمن والمستقبل، وإذا ما شعر أن ضرر النزوح أقوى من قدرته على الاحتمال، فما عليه سوى الضغط على أصحاب الشأن لتخفيف الضائقة؛ وليس التنكيل بالنازح المغلوب على أمره، والذي يحلم، أصلاً، بالخروج من لبنان على أقرب قارب، يصارع أمواج الموت الأبيض المتوسط.
ثم، أليس اللبناني شريكاً لشقيقه السوري في هذا البؤس المزمن والمستشري؟ كم من العائلات والأفراد اللبنانيين سعوا، ويسعون، إلى سلوك الدرب نفسه، درب الموت الشمالي المفضي إلى الوهم الأوروبي؟ أو، كم لبنانيا زوَّر أوراقه الرسمية، وادعى أنه سوري، ليحصل على حق اللجوء في ألمانيا أو سويسرا أو إيطاليا؟ وكم لبنانيا نجح بالادِّعاء، لأنه يتكلم اللهجة السورية نفسها، ويحمل السحنة نفسها، ويتكبل بالأنواع نفسها من اليأس والإحباط، ومن العقد التي راكمها في نفسه شبيحة الأنظمة والمليشيات وحماة الطوائف.
من الطبيعي أن يتخفّى بين النازحين السوريين شذاذ ومجرمون وإرهابيون ومعتوهون. ولكن، من قال إن نسبة هؤلاء أعلى من نسبة نظرائهم في منازل اللبنانيين؟ لنعد إلى أرشيف التفجيرات والعمليات الإرهابية، ونرى كيف أن الأسماء السورية كانت أقلية، مقارنة باللبنانيين، خصوصاً إذا ما فصلنا الذين خرجوا من بين النازحين عن الذين جاؤوا مجهزين من خلف الحدود. ثم، خارج هذه المعادلة، وفي كل الأحوال، يبقى الأمن مسؤولية الأجهزة الأمنية، حصراً، ولا يجوز أن تحمّل المسؤولية للنازح المغلوب على أمره، ولا لزوجته التي، غالباً، ما تكون مشغولة بأطفالها، فمعظم اللاجئين السوريين هربوا من الأرياف، وهؤلاء أطفالهم كثيرون، على غير أفراد الطبقة الميسورة التي انخرطت في النسيج المدني اللبناني، ولا تطاولها التصرفات العنصرية، لأنها، أصلاً، غير محسوبة على النازحين.
بشأن سوق العمل، ومعزوفة مزاحمة اللبناني و"خطف اللقمة من فمه"، توضح الأرقام أن معظم اليد العاملة السورية، الموجودة حالياً، كان موجوداً في العقود الأربع الماضية. مع فارق أنها، أيام وصاية النظام السوري على لبنان، كانت تحظى باحترامٍ وتقديرٍ أكبر؛ وكانت مرتباتها ومداخيلها أعلى. ومن دون قيود من الأمن العام ووزارتي العمل والشؤون الاجتماعية. ولم تكن قد اختُرِعت بعد شخصية "الكفيل" الذي يشارك، في أحيان كثيرة، العامل المياوم عرقه، ويتحكّم به بعنصرية مقرفة! والأهم أنه، في ما مضى، كان السوري يرسل مدخوله الى عائلته في سورية، أما الآن فهو يصرفه في لبنان. أي أنه يشارك، إيجابياً، في الدورة الاقتصادية التي تحسنت، بشكل ملحوظ، بعد دخول مليون ونصف مستهلك إلى السوق اللبناني.
النزوح السوري مشكلة، لكن النازح هو الأكثر معاناةً، هو الضحية وليس المجرم. هو النتيجة وليس السبب. فيا أيها اللبناني الغاضب؛ وجِّه غضبك باتجاه مسببي المشكلة أو، على الأقل، باتجاه من يستطيعون شيئاً لحلها، فالنازح لا حول ولا قوة، وإذا كنت ترى وضعك أفضل، فساعده بالضغط على أصحاب القرار لحل مشكلته، أو اتكل على الله... واصمت. فقد تصحو في صبحٍ قريب، وترى نفسك تشاركه النزوح داخل لبنان أو خارجه. لا فرق. وستكون في انتظارك جحافل من عنصريين سيشعرون بالتفوق عليك، لمجرد أن ظروفاً قاهرة أخرجتك من بيتك.
ثم، أليس اللبناني شريكاً لشقيقه السوري في هذا البؤس المزمن والمستشري؟ كم من العائلات والأفراد اللبنانيين سعوا، ويسعون، إلى سلوك الدرب نفسه، درب الموت الشمالي المفضي إلى الوهم الأوروبي؟ أو، كم لبنانيا زوَّر أوراقه الرسمية، وادعى أنه سوري، ليحصل على حق اللجوء في ألمانيا أو سويسرا أو إيطاليا؟ وكم لبنانيا نجح بالادِّعاء، لأنه يتكلم اللهجة السورية نفسها، ويحمل السحنة نفسها، ويتكبل بالأنواع نفسها من اليأس والإحباط، ومن العقد التي راكمها في نفسه شبيحة الأنظمة والمليشيات وحماة الطوائف.
من الطبيعي أن يتخفّى بين النازحين السوريين شذاذ ومجرمون وإرهابيون ومعتوهون. ولكن، من قال إن نسبة هؤلاء أعلى من نسبة نظرائهم في منازل اللبنانيين؟ لنعد إلى أرشيف التفجيرات والعمليات الإرهابية، ونرى كيف أن الأسماء السورية كانت أقلية، مقارنة باللبنانيين، خصوصاً إذا ما فصلنا الذين خرجوا من بين النازحين عن الذين جاؤوا مجهزين من خلف الحدود. ثم، خارج هذه المعادلة، وفي كل الأحوال، يبقى الأمن مسؤولية الأجهزة الأمنية، حصراً، ولا يجوز أن تحمّل المسؤولية للنازح المغلوب على أمره، ولا لزوجته التي، غالباً، ما تكون مشغولة بأطفالها، فمعظم اللاجئين السوريين هربوا من الأرياف، وهؤلاء أطفالهم كثيرون، على غير أفراد الطبقة الميسورة التي انخرطت في النسيج المدني اللبناني، ولا تطاولها التصرفات العنصرية، لأنها، أصلاً، غير محسوبة على النازحين.
بشأن سوق العمل، ومعزوفة مزاحمة اللبناني و"خطف اللقمة من فمه"، توضح الأرقام أن معظم اليد العاملة السورية، الموجودة حالياً، كان موجوداً في العقود الأربع الماضية. مع فارق أنها، أيام وصاية النظام السوري على لبنان، كانت تحظى باحترامٍ وتقديرٍ أكبر؛ وكانت مرتباتها ومداخيلها أعلى. ومن دون قيود من الأمن العام ووزارتي العمل والشؤون الاجتماعية. ولم تكن قد اختُرِعت بعد شخصية "الكفيل" الذي يشارك، في أحيان كثيرة، العامل المياوم عرقه، ويتحكّم به بعنصرية مقرفة! والأهم أنه، في ما مضى، كان السوري يرسل مدخوله الى عائلته في سورية، أما الآن فهو يصرفه في لبنان. أي أنه يشارك، إيجابياً، في الدورة الاقتصادية التي تحسنت، بشكل ملحوظ، بعد دخول مليون ونصف مستهلك إلى السوق اللبناني.
النزوح السوري مشكلة، لكن النازح هو الأكثر معاناةً، هو الضحية وليس المجرم. هو النتيجة وليس السبب. فيا أيها اللبناني الغاضب؛ وجِّه غضبك باتجاه مسببي المشكلة أو، على الأقل، باتجاه من يستطيعون شيئاً لحلها، فالنازح لا حول ولا قوة، وإذا كنت ترى وضعك أفضل، فساعده بالضغط على أصحاب القرار لحل مشكلته، أو اتكل على الله... واصمت. فقد تصحو في صبحٍ قريب، وترى نفسك تشاركه النزوح داخل لبنان أو خارجه. لا فرق. وستكون في انتظارك جحافل من عنصريين سيشعرون بالتفوق عليك، لمجرد أن ظروفاً قاهرة أخرجتك من بيتك.