للسنة الخامسة على التوالي تحتفل مدينة نيويورك، ومنطقة بروكلين على وجه التحديد، بمهرجان "اليوم العالمي للصداقة". للوهلة الأولى قد يبدو هذا اليوم مجرد احتفال شكلي ترفع فيه الأعلام ويتحدّث الخطباء فيه عن دور المهاجرين المهم في بناء الاقتصاد والمساهمة في ثقافات الولايات المتحدة، إلى جانب عدد آخر من المواضيع التي يتطرق إليها هؤلاء في مثل هذه المناسبات.
احتفال هذا العام يأتي في ظل توتر سياسي واجتماعي تعيشه الولايات المتحدة، وارتفاع في نسبة الهجمات العنصرية ضد الأقليات، بمن فيهم العرب والمسلمون، حتى في مدينة كنيويورك التي تعتبر مركزاً للتعددية الثقافية والانفتاح.
ويأتي هذا الارتفاع في نسبة الاعتداءات العنصرية منذ وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الحكم. وتزداد تلك الهجمات عادة بعد خطاباته وتصريحاته وتشديد سياساته، بما تحتويه من استهداف لهذه الفئة وتلك من المهاجرين والأقليات. وفي هذا السياق يرى كثير من المشتركين في احتفالات نيويورك أنها مهمة لتعزيز الثقة ومنح الشعور بالفخر لدى المهاجرين في المجتمع الأميركي.
ومن اللافت أن المشاركة العربية في "اليوم العالمي للصداقة" بنسخته الخامسة تعتبر مهمة لعشرات الآلاف منهم ممن يقطنون المدينة. وفي السياق يقول أحد المنظمين والمشاركين الدائمين في نسخ المهرجان على مدى السنوات الماضية المهاجر من أصل عراقي أحمد الفراجي لـ"العربي الجديد": "هذه مشاركتي الخامسة في يوم الصداقة العالمي. هذا اليوم رائع لأنه يسمح بتواصل اجتماعي بين أشخاص من مائة وخمسين دولة وفرص كثيرة للتعرف إلى كثير من الناس. أنا شخصياً أشجع المشاركة وشعوري رائع بأن أحمل العلم العراقي، ومن الجميل أن أكون في نيويورك من دون أن أنسى أصولي"، كذلك يعمل الفراجي في "المركز العربي الأميركي للخدمات الاجتماعية".
تنطلق الاحتفالات عادة برفع المشتركين أعلام بلدانهم خلال مسيرة على الأقدام تم رفي بعض أحياء بروكلين، يتوسطهم قارعو الطبول وعازفو الموسيقى من بلاد وثقافات أصلية عديدة. يرتدي كثير من المشتركين اللباس الشعبي التقليدي الذي يمثل مناطقهم ودولهم المختلفة، بعضه بألوان زاهية تجلب كثيراً من البهجة في النفوس وتذكّر باحتفالات الأعياد.
ومن ضمن هؤلاء المشتركين شابة أميركية من أصول مغربية تحدّثت لـ"العربي الجديد" عن لباسها ومشاركتها قائلة: "ولدت في الولايات المتحدة ولكن أشعر بأنه من الضروري أن أحافظ على ثقافتي الأم إلى جانب انخراطي في المجتمع الأميركي". وتضيف عن لباسها "هذا القفطان من شمال المغرب ويرتديه الناس في الاحتفالات والمناسبات المهمة".
تشير أريج عبد الحليم، وهي من أصول فلسطينية، وقد رفعت العلم الفلسطيني في الاحتفالية، وتعمل كواحدة من المسؤولين في "المركز العربي الأميركي للخدمات الاجتماعية"، إلى أن المشاركة في هذا الاحتفال تعطي الأمل في هذه الأوقات العصيبة. وتضيف "إن المشاركة في هذه المسيرات من الأشياء التي تجعلك تنسى ما يحدث حولك في العالم من توترات. هنا نؤكد على ما يوحدنا. كما أنها فرصة للتعرف إلى الدول المختلفة وثقافاتها".
بالإضافة إلى العروض الموسيقية والرقصات ورفع الأعلام تتضمّن الاحتفالات كذلك سوقاً صغيرة تضم ما يشبه "بسطات" مأكولات أو منتوجات من مختلف البلدان. لذلك فإن احتفالات من هذا القبيل تعزّز عند سكان المدينة من المهاجرين والجاليات العربية والمسلمة الشعور بأن وجودهم طبيعي ومرغوب فيه، وأن انخراطهم في المجتمع الأميركي لا يعني بالضرورة التخلي عن الثقافة الأم.
تنتهي المسيرة أمام مبنى البلدية بعد أن يضع كل مشترك علم بلاده في الساحة في أماكن مخصصة لها، أمام المنصة التي نصبت في وسط تلك الساحة مقابل مدخل مبنى البلدية حيث يجلس عدد كبير من المشاهدين على تلك المدرجات التي تذكر بالمدرجات الرومانية القديمة ليشاهدوا العروض الموسيقية والرقصات التقليدية.