للوهلة الأولى، قد تظنّ أن الأمر مركّب. لا يمكن أن تُصدّق أن أكياس النفايات تطوف في عدد من شوارع بيروت وجبل لبنان. الأمر أقرب إلى مزحة ثقيلة. في هذا الزمن، بعدما باتت معالجة النفايات أمراً روتينياً تقول به الإدارات العامّة أو الشركات الخاصة، وتحوّل إلى تجارة مربحة في عديد من الدول، غرق لبنان بنفاياته. غرق، بما يُمكن أن تعنيه هذه الكلمة.
طغى مشهد النفايات التي تطوف في الشوارع، على مشهد السيول في مختلف المناطق اللبنانيّة. لكن هذا لا يعني أن السيول لم تجتح أكثر المناطق، خصوصاً المدن. وتتكرّر الحوادث التي تدخل فيها السيول بيوت اللبنانيين وتُغرق سياراتهم. هي مشكلة مزمنة. لا يبدو أن لها حلاً، على الرغم من إعلان وزراء الأشغال العامة في كل عام، أنهم لزّموا شركات خاصة لتنظيف المجاري. وككلّ عام، لا تكون المجاري نظيفة كما يجب.
وتبدو أزمة السيول بسيطة أمام أزمة النفايات. وإذا كانت هذه السيول تختفي تدريجياً مع تنظيف مياه الأمطار لأقنية تصريفها ولمجاري الأنهر، إلا أن ما من أفق لحلّ أزمة النفايات. ويبدو أن مشهد يوم الأحد الماضي، سيتكرر قريباً. هذا ما يمكن استنتاجه، على أقلّ تقدير، من الحديث مع الوزراء المعنيين. وزير الزراعة أكرم شهيب، المكلف برئاسة اللجنة المختصة بوضع خطة لأزمة النفايات، يشير في اتصال مع "العربي الجديد" إلى أنه غير متفائل في إيجاد حلّ قريب لأزمة النفايات، لكنه لا يقطع الأمل نهائياً. ويلفت إلى أن لكل طرف في الحكومة رأيه وهمومه، وكل قوة تريد تعزيز قوتها.
في مقابل تشاؤم شهيب، يعلن وزير الأشغال العامة غازي زعيتر أنه متفائل. لكنه لا يستطيع التأكيد أن مشهد النفايات التي تطوف في الشوارع لن تتكرر، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف: "سنتخذ كل ما يتعلق بالإجراءات الواجب اتخاذها في الوزارة". ويلفت إلى أنه بالإمكان حلّ جميع المشاكل، إذا كانت ثمّة نوايا طيبة داخل الحكومة.
بدورها، تُعلن مصادر رئيس الحكومة تمام سلام أن ثمّة أملاً ضئيلاً لحلّ الأزمة، "لكن هذا الأمل الضئيل لا يدفع للتفاؤل". وتُشير هذه المصادر إلى أن ما يجري هو "تحلّل" للدولة اللبنانيّة، "والجميع يضغط على الجميع في لعبة عضّ أصابع، تُعَدّ الدولة فيها الخاسر الأساسي". تضيف أن تعطيل خطة شهيب من قبل أفرقاء في الحكومة، ليس أمراً بريئاً.
في ظلّ هذا الوضع الذي يمكن وصفه بالمأساوي، أعلن وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور أن الواقع اليوم لامس الكارثة. ولفت في تصريح تلفزيوني، إلى أن ما حصل يوم الأحد الماضي سيكون له أثر سلبي على صحة اللبنانيين مستقبلاً. وأوضح أن السبب هو تسرّب عصارة النفايات إلى المياه الجوفية وإغراقها الأراضي الزراعية، وهو ما من شأنه أن يتسبب بأمراض لا يُمكن تحديدها بعد. ولفت إلى أن أجهزة الوزارة المختصة بالأوبئة تقوم بعملها وستضع التدابير المناسبة للفترة المقبلة. وشدّد على أن البلد وصل "إلى المحظور الذي طالما حذّرنا منه. والمخاطر الصحية تزداد، خصوصاً على المدى البعيد نتيجة الترسبات. والأولوية هي لإعادة جمع النفايات التي تبعثرت".
أما وزير البيئة محمد المشنوق، فأوضح في تصريح صحافي له أنه طالب مجلس الوزراء قبل شهرين "بإعلان حالة طوارئ بيئية في لبنان، تخوفاً مما قد يصيبنا من كارثة النفايات التي ما زالت القوى السياسية تعرقل حلّ أزماتها". وقال إنه كرر "مرات عدة أن هذا هو المطلوب. لكن أي تجاوب من القوى السياسية لم يبرز، رداً على نداءاتي المتكررة. وما نواجهه اليوم هو ما حذّرنا منه". وشدّد المشنوق محذراً على أنه "ما لم تتخذ القوى السياسية موقفاً إيجابياً اليوم قبل الغد، فلا حدود لمخاطر الكارثة".
لا يبالون بصحتنا
أوّل من أمس، عمل ناشطون في حملة "طلعت ريحتكم"، التي تنظم احتجاجات شعبية ضد السلطة منذ بدء أزمة النفايات، بجمع وفرز نفايات جرفتها الأمطار الغزيرة في نهر بيروت. وكتبت الحملة على صفحتها على "فيسبوك": "نحن وبكل فخر عمال نظافة هذا الوطن من النفايات والفساد والفاسدين، في وقت يغرق السياسيون في تجاذباتهم السياسية والمحاصصة ولا يبالون بصحتنا جميعاً".
اقرأ أيضاً: نفايات لبنان.. محاولة إرساء خطّة لإدارة الكوارث