يتباهى وزراء الحكومة الجزائرية، في كل تصريح يُدلون به، بما عرفته البنية التحتية من إنجازات في العشرية الأخيرة، ويُقدّمون أرقاماً متضاربة في كثير من الأحيان، في قطاعات السكن والسدود والجامعات والطرقات والأشغال العمومية. أرقام عادة ما تكون كبيرة، للدلالة على أن الحكومة لم تقصّر. ولئن كان المواطنون لا ينكرون وجود جهود مبذولة، إلا أنهم يبدون تبرّمهم من طريقة الإنجاز وهشاشة ما يُنجز.
هذه الهشاشة، سرعان ما تظهر للعيان، بمجرد قدوم فصل الشتاء، وتساقط الأمطار، مثلما حدث أخيراً في أكثر من محافظة، لم تسلم منها حتى عاصمة البلاد التي تحولت بعض شوارعها، إلى بحيرات وبرك منعت الناس من التحرّك، والسيارات من المرور.
واقع جعل رئيس "نادي المواطنة" كمال قرور يتساءل: "إذا كان هذا يحدث في العاصمة، على بعد أمتار من المؤسسات الحاكمة، فكيف بالمناطق النائية؟". يضيف قرور في تصريح لـ"العربي الجديد": "نخطئ كثيراً في الاكتفاء باتهام الحكومة، في هذا الباب، ونسيان دور المجتمع المدني الذي لم يعد يحرّك ساكناً، في لعب دور المراقبة. لقد بات يرى بنفسه مظاهر الغش في إنجاز المشاريع، وينخرط في الصمت كأن الأمر لا يعنيه".
لم نبتعد عن الجزائر العاصمة إلا عشرين ميلاً جنوباً، لمعاينة آثار الأمطار التي عرفتها بلدية "بوقرة" أخيراً، فكانت كأنها انتشلت من الغرق. أرصفة ومساحات موحلة بين الأبنية، بشكل دفع السكان إلى وضع ممرات بأنفسهم، حتى يتمكنوا من المرور. ولولا إقدام رجال الحماية المدنية على تصريف المياه المتجمعة، عن طريق محركات كهربائية، لما تمكن أحد من الحركة.
وقوع المدينة في قلب "المتيجة"، وهو أخصب وأكبر سهل زراعي في الجزائر، وهشاشة قنوات الصرف في أطراف منها، وانعدامها في أطراف أخرى، خاصة تلك التي أنجزت حديثاً، جعل غرقها في الطين أمراً سهلاً، بمجرّد سقوط زخات من الأمطار.
ولعل أكثر المساحات الموحلة، التي ظهرت فيها معاناة السكان بشكل جليّ، كانت سوق الخضار والفواكه، التي يقصدها تجار التجزئة من كل الجهات. يقول أحد الباعة إن "الحكومة قادرة على إنجاز أسواق مغطاة وجعلها مكيّفة أيضاً، لحماية الباعة والزبائن معاً، لكن يبدو أنها لا تريد ذلك".
من جهته، يقول إسماعيل ب، وهو مقاول متخصص في إنجاز الجسور الصغيرة، عن تهمة الغش التي باتت تطارد المقاول الجزائري، إنه لا ينفي "وجود شريحة من المقاولين، لا تتوفر على المؤهلات اللازمة، من حيث الخبرة ومن حيث الوسائل، مع ذلك فهي تحصل على المشاريع، من طرف المؤسسات الحكومية، بطرق عادة ما يتم التحايل في جعلها قانونية، ويكون أكبر همها توفير المال، على حساب المعايير الدولية، وهو الغش الذي تظهره الكوارث الطبيعية". لكن إسماعيل ينفي أن يكون هذا المنطق منسحباً على الجميع "الضمير موجود والرقابة موجودة. الدولة ليست غائبة تماماً. ويبقى على المجتمع المدني أن ينتبه إلى معطىً مهم، وهو أنه، حين ينتخب مسؤولين قاصرين في البلديات والمحافظات ومجالس التشريع، بناء على القبلية لا الكفاءة، فهو يفتح المجال واسعاً لهذه الممارسات".
في السياق، يتساءل الطالب الجامعي نسيم ح. عن الأسباب التي تمنع البلديات ومديريات الأشغال العمومية وتهيئة الإقليم في الجزائر، من الاحتياط لموسم الأمطار، بتنظيف قنوات الصرف، وإصلاح الفاسد منها، وعن غياب ثقافة الاستفادة من النشرات التي يقدمها "ديوان الأرصاد الجوية". ويسأل: "ما معنى أن يبقى المعنيون بالأمر مكتوفي الأيدي، وقد تلقوا نشرة علمية تفيد بقدوم انقلاب جوي، يومين قبل حصوله؟".
يقول الطالب الجامعي المتخصص في الهندسة الزراعية، إنه أنجز بحثاً عن الأودية النائمة في الجزائر، والتي يمكن أن تثور في أية لحظة، ولم يجد في البلديات المعنية بالأمر، إحصائيات أو دراسات يُعتمد عليها، رغم أن وزارة الداخلية نظمت، خلال السنة الماضية في مدينة بشار، ملتقى علمياً حول الموضوع، وأمرت الجماعات المحلية بإنجاز هذه الإحصائيات.
من جهة ثانية، يشرح مصدر من وزارة السكن والعمران، رفض الكشف عن اسمه، إن "الحكومة، وبعد زلزال منطقة بومرداس عام 2003، أمرت بعدم منح رخص البناء، إلا للملفات التي تتوفر على شهادة خبرة تفيد بأن المشروع محصن ضد الكوارث الطبيعية".
ويبدي جزائريون أسفهم على الفرص الضائعة، خلال سنوات الراحة المالية التي وفّرها ارتفاع أسعار البترول قبل انهيارها، ويتساءلون أين صرفت الحكومة مبلغ 800 مليار دولار ما بين العامين 2000 و2014، وهو مبلغ كان قادراً على توفير بنية تحتية تجمع بين جودة الكم والكيف.
اقرأ أيضاً: أمطار فجائية ورياح عاتية تقتل شخصين في الجزائر