نعم... هناك عدو دائم

31 ديسمبر 2016
+ الخط -
إحدى المخاطر الكبرى التي تنزلق إليها الشعوب، في نضالها من أجل الحرية، تتمثل في المقارنات بين أنواع الاستبداد والمفاضلة بينها. خطر هذا المنزلق يكمن في ضياع القيم الأخلاقية الكبرى التي يجب أن تغلف نضالات الشعوب، وفي استسهال التعامل والتحالف مع مستبد آخر في سبيل التخلص من استبدادٍ محلي. ويكمن خطره أيضاً في خسارة رأي عام، ربما يكون وجوده كفيلاً في دعم قضية التحرّر، ومسانداً لتضحيات الشعوب ومسرعاً في انتصارها. وأحد المنزلقات في الثورة السورية ونضال السوريين ضد نظام الاستبداد والإجرام تعامل بعض السوريين مع العدو الإسرائيلي، بوصفه صديقاً، على مبدأ "عدو عدوي صديقي"، ومخاطبته وزيارته، وطلب دعمه، وتقديم وعودٍ مستقبلية له، تتعلق بالسلام بين البلدين، في حال زوال نظام الأسد واستلام المعارضة الحكم. ويضاف إلى ذلك التهليل لطلعاته الجوية وقصفه المتواصل مواقع سورية عسكرية، من منطق أن قصفه لها سيخفّف من موت السوريين على يد النظام الذي يسيطر على المواقع العسكرية، ويستخدمها لقتل السوريين الثائرين، والانتقام منهم.
ما لم ينتبه إليه المهرولون نحو إسرائيل من المعارضة السورية، أو المهللون للقصف الإسرائيلي المتواتر لمواقع عسكرية سورية، أن وضع المنطقة العربية، والمحيطة بإسرائيل خصوصاً، قد تم ترتيبه، منذ زمن، بما يتلاءم مع مصلحة وجود إسرائيل في المنطقة، وضمان أمنها. وربما من المفيد التذكير بأن جبهة المقاومة الوطنية التقدمية، بأحزابها وحركاتها اليسارية التي كانت قد بدأت بالظهور بعد نكسة يونيو/ حزيران عام 1967، قد تم تفكيكها والقضاء عليها، وتحويلها إلى أحزابٍ تحمل الشعارات السابقة نفسها، لكنها تتبع أنظمة الاستبداد العربية هنا وهناك، على يد هذه الأنظمة، وباتفاقاتٍ معلنةٍ أحياناً، وسرّية أحياناً أخرى، وتمت تصفية رموز ومفكرين في الحركات الوطنية التقدمية على يد هذه الأنظمة. وتم استبدالها بحركاتٍ وأحزابٍ دينيةٍ ومذهبيةٍ، بحيث تختفي أي صيغةٍ وطنيةٍ للصراع مع إسرائيل، وتعزّز مكانها صراعاتٌ دينية ومذهبية قادرة على شحن الغرائز وإلهاء العقل العربي عن التفكير بحقيقةٍ واقعه، مكتفياً بالتهليل للانتصارات الإلهية التي تحققها هذه المقاومة المفترضة.
وربما من المفيد التذكير، أيضاً، بأن نظام الأسد الأب والابن، على الرغم من شعارات المقاومة والممانعة التي يرفعها، وما زالت تخدع أيتام اليسار والقوميين العرب، هو أكثر الأنظمة حفاظاً على أمن إسرائيل. ويفترض أن السوريين يدركون هذا جيداً، لن تضحّي إسرائيل بما صنعته عبر أكثر من خمسين عاماً، لأجل عيون الديمقراطية السورية التي حلم بها السوريون. ولا هي تقصف المواقع العسكرية السورية كرمى لعيون السوريين، خشية الفتك بهم، وقتلهم بآلة النظام السوري العسكرية. تريد إسرائيل أن تبقى النموذج الديمقراطي الحضاري الوحيد في المنطقة. لهذا تدعم أنظمة الاستبداد العربية، وتتحالف معها سراً وعلناً، وقصفها المواقع العسكرية السورية هو لإبقاء ميزان القوى بين النظام والمعارضة المسلحة متعادلاً، فلا ينتصر أحدٌ على أحد، ويبقى الحال على ما هو عليه من تدميرٍ واستنزاف يومي لسورية ولشبابها ولحاضرها وماضيها ومستقبلها.
لم تخسر إسرائيل طلقة واحدة منذ بدء الثورة السورية وتحولاتها اللاحقة. ولماذا ستخسر، ما دامت جميع القوى تفعل ما كان يفترض أن تفعله إسرائيل؟ سورية تم تدميرها بالكامل، ليس فقط في بنيتها التحتية والعسكرية، بل في بنيتها المجتمعية التي كانت هي الكتلة الممانعة والمقاومة الحقيقية للمشروع الصهيوني. وانكشفت بروباغندا المقاومة الإسلامية، بشقيها الشيعي والسني، وظهرت على حقيقتها أحزاباً وحركات تسترزق لتقتل حسب أجندة المموّل، والمنطقة بأكملها غارقةٌ في حروبٍ وصراعاتٍ مذهبية قاتلة، لا يبدو أنها ستنتهي قريباً. يبقى على السوريين فقط استعادة ما أفقده الدم اليومي من القيم الأساسية التي تعيد إلى نضالهم وجهه الحقيقي. ليس هذا سهلاً وسط المقتلة اليومية، وقد يبدو مجرّد تنظير محض. ولكن، لنتذكّر جميعاً شهداء الثورة السورية الكثيرين من الفلسطينيين. ولنتذكّر تضحيات الأشقاء الفلسطينيين في المخيمات في سبيل حرية سورية. يدرك هؤلاء جيداً أنه لا مفاضلة بين أنواع الاستبداد والعدوان والاحتلال، وأن مصير السوريين والفلسطينيين واحد، وأن إجرام النظام، مهما تعدّى الوصف، لن يجبّ جرمية إسرائيل وتوصيفها مسبباً رئيسياً لكل مصائبنا الكبرى والصغرى. يقال إنه في السياسة لا يوجد عدو دائم، غير أن هذا القول، في حالة إسرائيل، يصبح غير نافل.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.