"واشنطن بوست": نظام الأسد يركن إلى أجهزة أمنية متصارعة وسلطته "مقيّدة"

31 يوليو 2019
سيطرة الأسد على جهاز الأمن أكثر تقييداً(يوسف قروشان/فرانس برس)
+ الخط -
قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن هناك تنافساً بين الجهات الأمنية الفاعلة في النظام السوري، مشيرة إلى أنّ سيطرة بشار الأسد على جهاز الأمن "محدودة"، على الرغم من أنّ التعديل الأمني الأخير قد يوحي بعكس ذلك.

وذكرت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم، الأربعاء، أنّ سورية شهدت في وقت سابق من هذا الشهر، التعديل الأمني الأكثر شمولية، منذ تفجير مبنى الأمن القومي في يوليو/تموز 2012، حيث تمّ تعيين أو ترقية، أو إحالة على التقاعد، أكثر من ستة رؤساء قي المخابرات، فيما تمّ نقل أكثر من 50 ضابطاً داخل وزارة الداخلية.

ولفتت الصحيفة، في تقرير لها، إلى أنّ البعض قد يرى في هذا التعديل رفيع المستوى والواسع النطاق، دليلاً على سلطة بشار الأسد على جهاز الأمن، إلا أنّ هناك مؤشرات إلى أنّ سيطرته عليها أكثر تقييداً.

وتواجه دمشق، وفق الصحيفة الأميركية، تحديات من جانب أجهزتها الأمنية، التي تمّ تمكينها وتوسيعها بعد ثماني سنوات من الحرب، مشيرة إلى أنّ المنافسات بين الجهات الأمنية الفاعلة اليوم "تشكّل خطراً على إعادة توحيد الدولة". وذكرت أنّ السباق من أجل الهيمنة المحلية بين جهات الأمن الفاعلة في النظام تصاعد، ليصل إلى حدّ اعتقال أفراد في هذه الأجهزة، واندلاع اشتباكات مفتوحة وأعمال عنف.

وفيما يحاول الأسد ونوابه التحقيق في ما يحصل، فإنّ تحركهم محدود بالموازنة بين المصالح المتضاربة لتلك الأجهزة والاستجابة للأزمات المتصاعدة.

جهاز أمن مقسم

يتكوّن جهاز أمن النظام، الذي ورثه الأسد عن والده حافظ الأسد، من أجهزة استخبارات متعددة وقوات نخبة ذات تفويضات متداخلة، مصمّمة بطريقة تمنع أي فرد فيها من أن يصبح قوياً بما يكفي لتهديد الرئاسة. وأثبت هذا الجهاز دوره الحاسم لصالح النظام خلال الحرب الأهلية، حيث واجه جيش النظام انشقاقات وتغيباً، لكن في المقابل، فإنّ بيئة الصراع نفسها، والتفويض الواسع الممنوح للأجهزة من دمشق، خلق مساحة لها لتوسيع نطاق خلافاتها بشكل كبير.

وذكرت الصحيفة أنّ أجهزة الأمن سهّلت إنشاء لجان شعبية ومليشيات تابعة لها لتوسيع نطاق قوتها، وذلك باستخدام مخبرين ووسطاء قامت بتطويرهم على مدار العقود الماضية. كما تنافست على اجتذاب المليشيات التي تمّ خلقها أو تمويلها من قبل رجال أعمال متحالفين مع النظام، من خلال توفير موارد وحماية أفضل.

تنافس متصاعد

في وقت تسيطر فيه كلّ مجموعة أمنية على منطقة، فإنّها تتشابك وتتنافس في ما بينها من أجل الوصول إلى منطقة معينة والسيطرة عليها، وغالباً ما يكون الأمر عنيفاً. وتتنافس الفصائل الموالية للنظام على نقاط التفتيش في المراكز السكنية وعلى طول طرق التجارة الرئيسة، حيث تحقق إيرادات من المواطنين ورجال الأعمال. وتتنافس هذه المجموعات أيضاً في الأحياء الرئيسة، التي تخدم كمركز تجنيد لمقاتلين سابقين في المعارضة. ووصلت التوترات المتصاعدة بين الضباط والجنود وأفراد المليشيات والشرطة، إلى حدّ اعتقال شخصيات أقلّ رتبة، بالإضافة إلى هجمات واشتباكات واغتيالات.

وغالباً ما ينتج هذا التصاعد في التوتر عن بحث الفروع والكيانات المحلية عن مصالحها الخاصة، كالإيرادات والقوة والأهمية، ودخولها في صراع مع فروع أخرى تقوم بالأمر عينه.
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أنّ التورط الإيراني في سورية يفاقم هذا التنافس، مشيرة إلى أنّه بالتنسيق مع "فيلق القدس" و"حزب الله" والمليشيات السورية والعراقية التابعة لها على الأرض، عزّزت إيران الاستخبارات الجوية وغيرها مثل الفرقة الرابعة، ومكّنتهم من منافسة خصومهم داخل النظام.

أمّا من جهة روسيا، فجهودها لكبح جماح الأجهزة الأمنية المترامية الأطراف، تشمل تشكيل "الفيلق الخامس"، وهو هيكل لإعادة دمج فصائل المعارضة السابقة ومليشيات النظام ضمن هيكل عسكري أكثر قوة.

وعلى الرغم من أنّه تحت جناح وزارة الدفاع السورية، إلا أنّ "الفيلق الخامس" يتقاضى رواتب روسية، ويتلقى أوامر من القيادة الروسية في قاعدة حميميم الجوية. وقد ذكرت تقارير أنّ المليشيات التابعة له اشتبكت مع الفرقة الرابعة وقوات الدفاع الوطني في حماة، ومع الاستخبارات الجوية في درعا. وترى الصحيفة أنّه في الممارسة العمليّة، فإنّ "الفيلق الخامس" يمثل ببساطة فصيلاً آخر ضمن مجموعة الجهات الأمنية الفاعلة، والتي على دمشق تحقيق توازن في ما بينها.


خيارات محدودة

تشير الصحيفة الأميركية إلى أنّ الأسد ودائرته يعتمدان، في معظم الحالات، على القيادة والضباط رفيعي المستوى داخل الأجهزة الأمنية، من أجل كبح جماح أفرادهم ومقاتليهم، من دون أوامر صريحة. ومن خلال التعيين، والطرد، والنقل، يمكن لدمشق أن تقصي القادة الذين يثبتون عدم فعاليتهم في هذه المهمة. وعلى الرغم من ذلك، فإنّ الجهات الأمنية الفاعلية تحجم عن إضعاف مواقعها على الأرض، وبالتالي التخلي عن نفوذها للمنافسين.

كذلك، فإنّ الأسد يعتمد على نوابه من أجل العمل كوسطاء بين الكيانات المتنافسة والتفاوض على نتائج مقبولة للطرفين. وأشارت الصحيفة إلى أنّ الشخص الأبرز في هذا الدور هو علي المملوك، رئيس مكتب الأمن القومي سابقاً، والذي يُزعم أنّه تمّ اختياره ضمن التعديل الأخير ليكون نائباً للرئيس للشؤون الأمنية. وتفاوض المملوك من أجل حلّ النزاعات، مع قادة الأمن المحليين واللجان المحلية والمسؤولين المحليين وشخصيات في المجتمع، وفي عدد من المناطق، مع الكيانات القبلية. ولكن بالنظر إلى مكانتهم والقضية التي تكون مطروحة، يمكن لمسؤولي الأمن الآخرين رفض جهود المملوك وغيره من ممثلي الرئيس.

وتؤكد الصحيفة أنّه في الأوقات الملحة يتدخل الأسد شخصياً، مشيرة إلى أنّ مثل هذه الحوادث نادراً ما يتم الإعلان عنها، إلا أنّ أحد التقارير القليلة التي تمّ الكشف عنها، تطرّق إلى مشادة حادة وقعت في مارس/آذار 2015 بين رئيس الاستخبارات العسكرية ورئيس شعبة الأمن السياسي آنذاك، رفيق شحادة، ورستم غزالة. وقد طرد الأسد المسؤولَين بشكل مفاجئ بعد الحادثة، فيما قُتل غزالة في الشهر الذي تلا الأمر.

ولا يبدو، وفق "واشنطن بوست"، أنّ أوامر الأسد يتمّ الطعن بها عند تلقيها، إلا أنّ تدخلاته مقيّدة أيضاً. ففي حين بإمكانه الإطاحة بالأفراد الذين يتخطون الحدود الحمر، لكن يبدو أنّه يتجنب تقديم مطالب أوسع وأكثر كلفة بحيث تكون الجهات الأمنية الحاسمة أكثر عرضة للتنافس، متجنباً بذلك مواقف من شأنها إلحاق الضرر بفكرة الرئاسة القوية.

مع هذا، وحتّى لو كان الأسد مستعداً للأمر، إلا أنّه ليس من السهل عليه الدفع باتجاه إصلاحات ذات نطاق أوسع، طالب بها صناع السياسة الغربيون، في قضايا حقوق الإنسان، والمحتجزين، وإيصال المساعدات الإنسانية، أو حتى طرح رؤيته الخاصة بالبلاد، وفق "واشنطن بوست".

وذكرت الصحيفة أنّ جهاز الأمن السوري ليس أداة يمكن للأسد أن يسيطر عليها، بل هو عبارة عن مجموعة من جهات فاعلة لدى كلّ منها مصالحها، ونفوذها، ووكلاؤها.

المساهمون