منذ 6 أعوام، وهاتف حسين الجلبي، مدير مركز توثيق الانتهاكات الصحافية، يتلقى اتصالات من قبل أهالي وزملاء لناشطين صحافيين في سورية، يبلغونه عن حالة وفاة أو اعتقال أو اختطاف جديدة في صفوف من يحاولون نقل وتوثيق وقائع الثورة الجارية في أربع عشرة محافظة سورية إلى وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
لكن حرص بعض وسائل الإعلام تلك على استمرار عملها، أكثر من اهتمامها بمصير الناشط الإعلامي الذي يعمل لديها، أكثر ما يقلق الجلبي، إذ قد يغامر الصحافي الناشط أو مؤسسته، بحياته من أجل خبر قد يكتب نهايته.
اقرأ أيضا: وزارة إعلام داعش.. منظومة الترويع الفني والحرب النفسية
تجارب الناشطين مع "الفرنسية"
في عام 2013، بدأ باسل الطويل، العمل مع وكالة الأنباء الفرنسية من داخل حمص المحاصرة رافدا الوكالة العالمية على مدى عام كامل بالصور والأخبار النوعية، وعن تجربته يقول باسل لـ"العربي الجديد": "كانت ناجحة ومفيدة، الوكالة لم تمل ولم تكل من إعطائي التعليمات والملاحظات وتوجيهي للعمل باحترافية عالية".
وباسل هو أول من أطلق صفحة عدسة شاب حمصي على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وهي صفحة حصدت مئات آلاف الإعجابات من السوريين والغربيين لتصبح تجربة فريدة كررها من بعده عشرات المصورين المحترفين والناشطين، لكن النهاية وبعد أن تم عقد اتفاق بين الفصائل المسلحة والنظام برعاية الأمم المتحدة اضطر باسل للخروج من مدينته مرغما، ثم خرج من بلده بعد أن خسر أرضه وبيته وكاد يخسر مستقبله، لكن وكالة فرانس برس ساعدته أخيرا بالسفر إلى باريس ليكمل دراسته في جامعة السوربون.
أما زكريا عبد الكافي، وهو مصور صحافي يعمل أيضا مع وكالة الأنباء الفرنسية، فقد خضع لدورة تدريبية للناشطين في الداخل في عام 2012 لمدة عشرين يوما، لكنه وعلى الرغم من اتخاذه احتياطات الأمن والسلامة، خسر عينه في إحدى تغطياته المعارك الدائرة في إدلب، غير أن الوكالة ساعدته ونقلته إلى باريس لعلاجه.
يؤكد عبد الكافي، أن الوكالة زودتهم بتعاليم السلامة، وسترة واقية وخوذة وقد حمته السترة أكثر من مرة، ويقول لـ"العربي الجديد:"في معظم الحالات نخرج على مسؤوليتنا، أثناء المعارك قد لا يستطيع المقاتلون أو الجيش الحر حمايتنا".
في هذا الصدد يقول حسن مروة، مدير المراسلين الميدانيين في وكالة الأنباء الفرنسية بباريس لـ"العربي الجديد": "بالنسبة للمصورين الذين يعملون في مناطق مثل سورية، تعمل الوكالة على تزويدهم بسترة واقية وخوذة، وفي حالة تعرضهم لإصابة أثناء العمل، تحاول الوكالة، تغطية النفقات الطبية والمساعدة في إجراءات الفيزا في حال ذهابهم لتلقي العلاج في أوروبا".
ويؤكد أن الوكالة تفضل سلامة العاملين معها على المخاطرة من أجل سبق صحافي قائلا:"الوكالة دائماً تؤكد للمصورين عدم المغامرة بحياتهم في مناطق التماس، كما نشجعهم على تفادي الخطر".
اقرأ أيضا: العالم السري للمتفجرات[2\7]..سر تفضيل داعش لمادة C4 في سورية
ملهم بركات من حلم الصحافي إلى الموت
بحسب ما وثقه معد التحقيق، تبقى تجربة باسل وزكريا استثناء إذا ما قورنت بغيرها، إذ لقي 237 ناشطا صحافيا مصرعهم، منذ انطلاق الثورة السورية في عام 2011، معظم هؤلاء سوريون، العديد منهم لم يحصلوا على تعويضات، لأسباب متعددة أهمها يرجع إلى عملهم بنظام القطعة (عدا حالتين نادرتين لصحافيين وثقهما معد التحقيق) رغم أن أكثر من نصفهم قضى أو قتل أو اغتيل أثناء قيامه بعمله، حسب إحصائية قام بها المركز السوري لتوثيق انتهاكات الحريات الصحافية لـ"العربي الجديد".
من بين هؤلاء الضحايا، المصور ملهم بركات، الذي قضى أثناء توثيقه إحدى المعارك في ريف حلب، وبحسب زميل لملهم، فإن "أهله لا يملكون أي إثبات أو عقد عمل وهي مشكلة عانى منها أهل ملهم الذين يرفضون الحديث للإعلام".
يضيف زميل ملهم، وهو مصور يعمل مع وكالة الأسوشييتد برس، فضّل عدم ذكر اسمه لـ"العربي الجديد": "نصحته ألا يعمل دون عقد يضمن له حقوقه ولكن عمر ملهم (15 عاما) جعله مندفعا، كان ملهم قربانا لزملائه، اندفاعه ورغبته الجارفة بالعمل لوكالة إخبارية عالمية قتلته".
يؤكد زميل ملهم ومقربون منه، عمله لصالح وكالة رويترز، ما دفع "العربي الجديد"، للتواصل مع مدير تحرير وكالة أنباء رويترز في لندن، ستيفن إدلر.
يؤكد إدلر لـ"العربي الجديد"، إنه يعرف ملهم بركات وقد عمل معهم على نظام القطعة (فري لانس)، وأن وفاته كانت خبرا مروعا بالنسبة للوكالة. وتابع إدلر: "جميعنا في وكالة رويترز نشعر بحزن عميق لخسارته، ملهم كان من بين عشرات الصحافيين الذين تفانوا في عملهم أثناء تغطيتهم للحرب السورية، إن قصته واحدة من أهم القصص في العالم، واحدة من أخطر القصص التي نقلها ملهم نفسه ذات يوم. بسبب ملهم عمقنا معنى التزامنا تجاه سلامة وأمان الصحافيين والمراسلين لدى الوكالة، خصوصا في مناطق الخطر بجميع أنحاء العالم".
لتحديد التزامات الأمان والسلامة التي قامت بها وكالة رويترز بعد وفاة ملهم، تواصل معد التحقيق مع المتحدثة باسم رويترز هيذر كاربنتر التي قالت: "إن سلامة الصحافيين هي أهمية قصوى لرويترز، ويتم ذلك من خلال، توفير معدات السلامة، ويمكن أن تشمل المعدات الشخصية كالسترات الواقية من الرصاص والخوذ والنظارات التي تحمي العينين من الشظايا وتقديم المشورة من خلال دورات تدريبية، كلما كان ذلك ممكنا".
وتابعت "نقوم بتقديم ما سبق للصحافيين الذين يعملون معنا على نظام القطعة (فري لانس) كأي مراسل معتمد لدينا في جميع أنحاء العالم. عقدنا شراكات دائمة مع عدة منظمات لمعايير السلامة الدولية وحماية الصحافيين المستقلين الذين يعملون تحت الخطر. أصبحنا مستعدين للتأقلم مع المتغيرات بسرعة كبيرة، بإرادة وتحد كبيرين، أمام أية مخاطر يواجهها الصحافيون لدينا لاتخاذ الإجراءات المناسبة فورا".
اقرأ أيضا: العائدون إلى حضن الأسد.. 5 اختراقات إعلامية للثورة السورية
الموت في سبيل التغطية
لا تقتصر المخاطر التي تهدد حياة الناشطين الصحافيين على من يعملون مع وكالات الأنباء العالمية، إذ وثق معد التحقيق حالة ناشط صحافي، عمل لصالح شبكة الاتحاد برس الإخبارية السورية المحلية، قدم المراسل، استقالته بسبب عدم قدرته على متابعة عمله مراسلاً، بعد الإصابة التي تعرض لها قبل أشهر، أثناء تصويره المعارك في ريف إدلب، ويرى المراسل بحسب شهادة أدلى بها إلى معد التحقيق أن الشبكة تخلّت عنه بعد الإصابة، ولم تقدم له العلاج اللازم ولم يحصل على أي تعويض منها، وهو أمر نفته الشبكة المذكورة، قائلة إنها قدمت التعويض الفوري اللازم للمراسل، واعتنت به أثناء وجوده في تركيا.
وينصح أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس خطار أبو دياب، الناشطين الصحافيين بالتواصل مع نادي الصحافيين العرب ونادي الصحافيين المستعربين للحصول على المساعدة التوعية اللازمة قائلا "على الناشطين الصحافيين تشكيل نواة منظمة للتواصل مع المنظمات والهيئات التي تستطيع مساعدتهم كي ينظموا عملهم". ويذكر الخبير في الشؤون الصحافية العربية بأن عمل هؤلاء هو نضال أكثر منه مهنة، وحياتهم معرضة للخطر دائما.
لا حلول أو أدوات تحمي الناشطين
خلال 6 أعوام لم ينجح الناشطون الصحافيون في سورية، في تنظيم أنفسهم بمؤسسات تنظم عملهم أو تحميهم قانونيا في ظل تهديدات من كل الأطراف تعترض عملهم الإعلامي وفقا لما رصده معد التحقيق.
ويعرج أبو دياب على محاولات السوريين لإنشاء رابطة أو منظمة تجمعهم كان آخرها المجلس الوطني للإعلام والصحافة والفنون، يقول الدكتور خطار "أعرف ناشطا وصل باريس منذ عام ونصف العام ساعدته دار الصحافيين في مدينة باريس، ثم وبالتزامن مع المنحة المقدمة من قطر للسوريين في فرنسا تم قبوله في جامعة السوربون، ولكن رغم كل هذه المحاولات والبوادر الطيبة، فإنها لا ترقى إلى درجة احتواء جميع زملائه".
ويرى الصحافي السوري مؤيد أبازيد المسؤول عن المراسلين في الهيئة السورية للإعلام، بحكم عمله وتدريبه لعدد منهم عبر الإنترنت أنهم أصبحوا هدفا للاغتيالات، قائلا "هؤلاء نجحوا في إثارة قضية الحصار الذي تتعرض له مضايا مؤخرا على سبيل المثال، ولولا المكتب الإعلامي في البلدة ما كان وصل صوت المحاصرين".
وعلى الرغم من نجاحاتهم، فالناشط الصحافي، في حال إصابته، لا تشفع له مهنته الجديدة، كما يقول أبازيد، متابعا حتى المنظمات الدولية التي دعمت أغلب الناشطين الصحافيين السوريين، ممن خرجوا من سورية، دائما ما تعتذر لناشطي الداخل خوفا من شراء السلاح أو خوفا من توجههم الإيديولوجي.