نادية دراغون: الرضاعة الطبيعيّة حبّ مطلق

05 اغسطس 2015
(حسين بيضون)
+ الخط -

- كيف بدأتِ العمل كمستشارة للرضاعة الطبيعية؟

حينَ أنجبتُ طفلتي الأولى، قررت الاعتماد على الرضاعة الطبيعية بشكل مطلق. لكنني وجدت نفسي أمام تحديات كبيرة وخصوصاً أنني لم أحصل على مساعدة من أحد. خلال هذه الفترة، أدركتُ أن لبنان بحاجة إلى أن يكون لديه استشاريون في الرضاعة الطبيعية، على غرار باقي دول العالم. وبعدما قرأت كثيراً عن هذا الموضوع على الانترنت، حصلتُ على كتاب "فن الرضاعة الطبيعية لدى النساء"، الذي يتحدث عن كيفية النجاح في الرضاعة. كنتُ أنظر إلى كل من حولي، وأرى أمهات راغبات في إرضاع أطفالهن، إلا أن الألم والصعوبات الأخرى كانت تجبرهن على التوقف.
تواصلتُ مع منظمة "لا ليش ليغ" العالمية التي تعمل على مساعدة الأمهات في جميع أنحاء العالم في الرضاعة الطبيعية، من خلال تقديم الدعم من أمٍّ إلى أخرى، بالإضافة إلى تشجيعهن وتقديم المعلومات اللازمة وتعزيز معرفتهن بأهمية الرضاعة الطبيعية لصحة الطفل والأم. خضعتُ لتدريبات مكثفة لمدة عام حول كيفية مساعدة الأمهات على تجاوز مشاكل الرضاعة الطبيعية، بالإضافة إلى كيفية التحدث إليهن. وتشترط هذه المنظمة على الراغبات في العمل كاستشاريين النجاح في الرضاعة الطبيعية مع أطفالهن. بعد التدريبات، تحوّلت إلى مدربة معتمدة وصرت أول مستشارة للمنظمة في لبنان عام 2012. أيضاً، أنشأت صفحة على فيسبوك أطلقت عليها اسم "الرضاعة الطبيعية في لبنان"، وتضم حتى الآن 2100 شخص. وأنظم دورات تدريبية من حين إلى آخر، وأتلقى كثيراً من المكالمات الهاتفية يومياً من أمهات.

- لماذا اخترتِ الرضاعة الطبيعية؟
الرضاعة الطبيعية هي ما يتوقعه أطفالنا منا، وهي ما يطلبونه. يحتاج طفلي الحليب الذي يفرزه جسمي، وليس ذلك الذي يصنع من الأبقار.

- ما هي الصعوبات التي واجهتكِ خلال الرضاعة؟
خلال الرضاعة، عانيت من الالتهابات ما كان يسبّب لي ألماً كبيراً بمجرد وضع طفلتي على ثديي. وفي بعض الأحيان، كان يسيل الدم منهما. كلّما بكت، كان المحيطون بي يقولون إن الرضاعة الطبيعية وحدها لا تكفيها، وبالتالي يجب شراء الحليب من السوق. مع ذلك، كنت أؤمن أن الرضاعة الطبيعية قادرة على تأمين الغذاء اللازم لطفلتي. هذه هي الطبيعة. بعدما قرأت كتاب "فن الرضاعة الطبيعية لدى النساء"، لم أعد أعاني من أي مشاكل لأن الرضاعة تتطلب معرفة وثقافة ليس أكثر. والأهم هو كيفية وضع الطفل على الثدي.

- في الماضي، كانَ العدد الأكبر من النساء يرضعن أطفالهن من دون الاستعانة بمستشارين. ما الذي تغير اليوم؟
كانَ هناكَ ما يسمى بالمعرفة المجتمعية، ما يعني أنه كان للأمهات والقريبات والجيران أدوارهن في مساعدة الأمهات على إرضاع أطفالهن. من جهة أخرى، عندما ظهر الحليب الصناعي في الأسواق، عملت الشركات المصنعة على نشر رسالة تتعارض وأهمية الرضاعة الطبيعية، ما أثّر على وعي المجتمع.

- هل ترين أن الأمهات في لبنان يرغبن في إرضاع أطفالهن، علماً أنهن يخشين من ترهّل أثدائهن؟ وماذا عن الأم العاملة؟
تشيرُ الإحصائيات إلى أن أكثر من 97 في المائة من اللبنانيات يخترن لأطفالهن الرضاعة الطبيعية، إلا أن 10 في المائة منهن ينجحن فقط. كما أن الحديث عن الترهّل هو خطأ شائع، وبينت الدراسات أن الحمل وحده يتسبب في ذلك، ويكمن الحل في الرياضة. ويمكن للأم العاملة الاعتماد على الضخ.

- ما هي أهمية الرضاعة الطبيعية؟
تساهم الرضاعة الطبيعة في إعطاء الأطفال الغذاء المناسب والمناعة والحماية من الأمراض وتزيد من نسبة الذكاء وغيرها. من جهة أخرى، تحمي الأمهات من بعض أمراض السرطان، وتقوي مناعتهن، وتقيهن من ارتفاع نسبة السكر في الدم وغيرها. كما أن معظم الأطفال الذين يحصلون على حليب الأم لا يحتاجون إلى مضادات حيوية. الرضاعة الطبيعية تمنح الأطفال شعوراً بالراحة والسعادة بفعل هرمون الأوكسيتوسين.

- لماذا لا يتحدّث عدد من أطباء الأطفال عن أهمية الرضاعة؟
يفتقد الأطباء المعلومات الوافية عن الرضاعة الطبيعية. ولا تتعدى ساعات الدراسة المخصصة لهذا الموضوع الثلاث ساعات تقريباً. كما أن معظم كليات الطب مدعومة من الشركات المصنعة للحليب الصناعي. ليست هذه نظرية مؤامرة. الأمر عبارة عن تجارة ومال وسلطة. على سبيل المثال، فإن هذه الشركات قادرة على وضع إعلانات على الطرقات. هذه حرب بين الرضاعة الطبيعة والحليب الصناعي. وينصح بعض الأطباء الأمهات بإعطاء الحليب الصناعي لأطفالهن في حال كن مرضى، علماً أن الأمر لا يؤثر على صحة الطفل. وهناك حلول لأي مشاكل تعاني منها الأم التي تختار الرضاعة الطبيعية.

هل هناك منافسة بين الأطباء ومستشاري الرضاعة الطبيعية؟
نحنُ لا ننافس الأطباء. على العكس، نتشارك وإياهم رؤية واحدة. نساعد على التقليل من حاجة الأطفال إلى التوجه إلى عيادة الأطباء من خلال حليب الأم الذي يقوي مناعتهم، فيما يتولون هم معالجتهم في حال أصيبوا بأي مرض. كما أن العديد من الأطباء ينصحون الأمهات بالاستعانة بنا، لكنهم لا يملكون الوقت لنعمل سوياً.

اقرأ أيضاً: الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية لصحة أفضل

ترفض بعض الأمهات الرضاعة الطبيعية تفادياً لأي شعور بالعزلة. ما تعليقك؟
من خلال تجربتي مع الأمهات، لاحظت أن الرضاعة الطبيعية جعلتهن أكثر انخراطاً في المجتمع. صرن يشعرن بالثقة، ولم يعدن يمانعن من إرضاع أطفالهن في الأماكن العامة. حين أتيت إلى لبنان، كنتُ أعامل كغريبة كوني أوكرانية. اعتدت البقاء في البيت تفادياً للأحكام المسبقة التي يطلقها اللبنانيون علي. لكن بعدما اكتشفت أنه يمكنني تقديم خدمات للآخرين، وتحديداً الأمهات، لم أعد أشعر بالعزلة على الإطلاق، واكتشفت هذا المجتمع عن قرب. وصرن نحن الأمهات مجتمعاً قائماً بحد بذاته.

تتحدّثين كثيراً عن نوم الأطفال بقرب أمهاتهن، علماً أن دراسات عدة تشير إلى أهمية فصل الأطفال عن أمهاتهم ليلاً والنوم بمفردهم، حتى لو تسبب ذلك في بكائهم. لماذا؟
تُشير دراسات حديثة إلى أن دفع الطفل إلى الاستقلال قبل الأوان ليس بالأمر الجيد. يجب الانتظار حتى يصبح أطفالنا جاهزين، على غرار جهوزيتهم للزحف والمشي. كما أن البكاء قد يتسبب ببعض المشاكل على المدى الطويل، على غرار الكوابيس، وعدم القدرة على النوم. مع ذلك، المنظمة لا تقول إن هذا الخيار صحيح وذلك خاطئ، بل يتعلق الأمر بما يناسب الأم والعائلة، وما يجعلهما سعيدين.

ماذا تقولين عن تجربتك في هذا المجال؟
الرضاعة الطبيعية هي تعبير عن الحب المطلق. هي أنا، وأرغب في جعل جميع الأمهات يختبرن شعور السعادة هذا.

لقاءات لتبادل الخبرات

خلال الاجتماعات الدورية التي تقيمها مستشارة الرضاعة الطبيعية، نادية دراغون، مع الأمهات، يعرضن تجاربهن ويناقشنها، فيما تطرح أخريات الأسئلة. تجمع هؤلاء الأمهات على رغبتهن في إرضاع أطفالهن، ويسعين إلى إزالة جميع المعوقات. إحدى الأمهات كانت تشتكي من أن ابنها لا ينام إلا فوق صدرها طوال الليل، الأمر الذي ينهكها. حاولت دراغون شرح الأمر كما تراه، مشيرة إلى أن هذه حاجة طفلها، ومتى يكون جاهزاً سينام بمفرده. أما الأخريات، فأكدن لها أن معظمهن اختبرن أموراً مماثلة، والطفل يحتاج إلى الالتصاق بأمه لسنتين فقط.

اقرأ أيضاً: الرضاعة الطبيعيّة تحمي الأطفال من البدانة
دلالات
المساهمون