مولد الكهرباء

08 سبتمبر 2014
مصر تعاني من انقطاع مستمر للتيار الكهربائي (ارشيف/getty)
+ الخط -
تبرع الموظف المصري البسيط، الذي يجاهد للإنفاق على أولاده لصندوق السيسي بمائة جنيه كاملة اقتطعها من قوت عياله، هو يصدق أن الصندوق سيوفر الاستقرار ويحرّك عجلة الإنتاج، إلى غير ذلك من الشعارات الرنانة المتداولة في هذا المجال.
ثم صدق أن مشروع قناة السويس سينهي المشكلة الاقتصادية ويقضي على البطالة، وربما يعالج فيروس سي والإيدز والبلهارسيا والسكر والضغط، قرر أن يشتري شهادات الاستثمار التي أصدرها البنك المركزي ليكون شريكا في القناة الجديدة.
في مصر الآن، أن تعلن رفضك التبرع أو شراء الشهادات، فأنت بلا شك عميل أو خائن أو إخوان، أو جميع ما سبق من ذلك.
واجهته أزمة حقيقية في توفير المال لشراء الشهادات، ظل ليلة كاملة يحاول إقناع زوجته بيع قطعة واحدة ووحيدة من الذهب تملكها، وتحرص عليها باعتبارها ثروتها التي لا تملك من ترف الحياة غيرها.
بعد نقاش طويل مزعج وصل حد "خراب البيوت"، مع ارتفاع حرارة الجو وانقطاع الكهرباء، خضعت الزوجة، ووافقت على بيع قطعة الذهب الصغيرة، واستخدام المال في شراء الشهادات. في أول أيام فتح الباب لبيع الشهادات، استيقظ مبكرا، ارتدى أفضل ملابسه، وضع المال في جيب داخلي خوفا من اللصوص، انتظر الحافلة طويلا، كانت تأتي محملة بما لا يتيح له الركوب، خصوصا أن معه مبلغا يقترب من خمسة آلاف جنيه، هي كل ما تملك أسرته من حطام الدنيا.
خوفا على المال، وحرصا على الشراء مبكرا قبل الذهاب إلى عمله، قرر استخدام مترو الأنفاق، سار على قدميه نحو عشر دقائق إلى محطة المترو القريبة، هناك فوجئ بزحام أكبر من الذي هرب منه في الحافلة.
لم يعد بمقدوره أن يغير وجهته، استقل المترو، محشورا وسط الزحام ورائحة العرق.
لم يصل وجهته مجددا، انقطعت الكهرباء وتوقف المترو، لم يعد أمامه إلا الذهاب إلى أقرب بنك، بدلا من خطته السابقة بالذهاب إلى البنك المجاور لمقر عمله.
خرج إلى الشارع مشتتا غاضبا، يبحث عن أقرب بنك، وصل فوجد زحاما، استبشر خيرا مجددا، فالجميع قرر مثله شراء الشهادات، اقترب، ليكتشف أن الزحام ليس بسبب الشراء، وإنما "الكهرباء مقطوعة".
مر بذهنه شريط الساعتين الماضيتين، زحام الحافلات والمترو، ثم زحام البنك، ليس كل ذلك بسبب اقتناع الناس بمشروع القناة، وإنما بسبب الكهرباء المقطوعة.
هاتف زوجته.
حكى لها ما جرى منذ مغادرته المنزل، قالت بلهجة حاسمة، عد إلى البيت، سنشتري بالمال مولدا للكهرباء، وافق سريعا بلا تردد، وعاد.
المساهمون