موريتانيا: بند تمديد ولاية الرئيس يتصدّر وثيقة الحوار

23 يناير 2015
يخشى البعض من فخّ النظام (فرانس برس)
+ الخط -
علمت "العربي الجديد"، أنه "بوشرت مناقشة وثيقة سياسية، تتضمن موافقة الأغلبية الحاكمة في موريتانيا، على معظم الشروط التي طرحتها المعارضة خلال العامين الماضيين. كما كانت الوثيقة مدار بحث في الأيام الماضية، بين رئيس الوزراء الموريتاني، يحيى ولد حدمين، وقيادات من أحزاب المعارضة، مباشرة وعبر وسطاء".

وكشفت مصادر مطّلعة أن "أغلب أحزاب المعارضة، المنضوية تحت يافطة المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة، قبلت ما جاء في الوثيقة، وتستعدّ في الأيام المقبلة، للانخراط في حوار يُنهي الاتفاق على بنودها بشكل كامل".

وجاءت هذه التطورات بعد أيام قليلة من دعوة الرئيس، محمد ولد عبد العزيز، للحوار، وسط رفض "منتدى المعارضة"، وقبل أسابيع من موعد بدء إجراء انتخابات مجلس الشيوخ الموريتاني. وهو ما جعل المراقبين يتساءلون عن سبب حماسة الرئيس والسلطة الحاكمة للحوار، وتلبيتهم معظم مطالب المعارضة دفعة واحدة، بعد سنتين من رفضها. واعتبرها "غير واقعية"، في ظلّ اكتمال مراحل مسار انتخابي بلدي وتشريعي، قاطعته أغلب أحزاب المعارضة، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013، والذي انتهى بإعادة انتخاب عبد العزيز، رئيساً لفترة رئاسية ثانية، هي الأخيرة له حسب الدستور.

بدأ كل شيء منذ أشهر عدة، حين تسرّبت معلومات عن مضمون مبادرة سياسية يقودها رئيس البرلمان السابق ورئيس حزب "التحالف الشعبي التقدمي"، مسعود ولد بلخير، تتضمن ما يشبه "المقايضة"، تنصّ على حلّ المجالس البلدية والبرلمان الحالي، كما تطالب المعارضة، في مقابل إدخال تعديلات على الدستور بصيغة ما، تسمح للرئيس بالترشح مرة أخرى، على أن يتم تمديد سنّ الترشح، بما يسمح لبعض قادة المعارضة الكبار في السن بالترشح للرئاسة من جديد.

وتجدّد الحديث عن المبادرة بعد تصريحات عبد العزيز الأخيرة، التي أعلن فيها عن استعداده التامّ للحوار مع المعارضة، وهو ما ردّ عليه "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة" المعارض بشكل حاسم ورافض، معتبراً أن "الدعوة الرئاسية تفتقر للجدية". وعلى الرغم من ردّ المعارضة السلبي، إلا أن رئيس الحزب الحاكم، سيد محمد ولد محم، أبدى خلال اجتماع حزبي، استعداد الأغلبية الحاكمة للحوار، بل وحماستها من أجل إطلاقه في أسرع وقت، حسب تعبيره.

كما شرع حدمين أيضاً، منذ إعلان الرئيس عن دعوته للحوار، في إجراء مشاورات مع بعض أحزاب المعارضة الوسطية وزعيم المعارضة الحسن ولد محمد، وأجرى اتصالاً مع الأمين الدائم لـ"منتدى المعارضة" محمد فال ولد بلال.

وطرح ولد حدمين خلال المحادثات، وثيقة تتضمن الموافقة على أغلب المطالب التي طرحتها المعارضة، وعلى رأسها "الموافقة على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مبكرة، وتأجيل انتخابات مجلس الشيوخ، وإعادة تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، إضافة إلى تأمين ضمانات تتعلق بضمان حيادية الجيش والاعلام والإدارة. وهي المطالب الجوهرية التي كانت تطرحها المعارضة، كشروط للدخول والمشاركة في أية انتخابات منذ عام 2013".

وتضمنت الوثيقة بنداً آخر يتعلق بـ"عدم احتساب ما مضى من ولاية عبد العزيز، بما يعني إمكانية ترشحه للرئاسة مرة أخرى". وأثار هذا الشرط زوبعة إعلامية، في ظلّ الخشية مما يُمكن أن يفتحه تعديل الدستور من ألغام ومخاطر، خصوصاً في ظلّ القلاقل التي تعاني منها الدول الأفريقية، التي سعى زعماؤها للالتفاف على المواد الدستورية، التي تحدد مدة الترشح، كما حدث في بوركينا فاسو والكونغو الديمقراطية.

وختمت الوثيقة التي طرحها رئيس الوزراء، بتأكيد أنه "لا يُمكن بحث هذه المسائل إلا في إطار حوار وطني، تدعى للمشاركة في أعماله، كل الفعاليات السياسية الوطنية، ويعيّن الطرفان ممثليهما في الحوار الوطني". وتقف المادتان 26 و28 عائقاً في وجه بنود الاتفاق السياسي المذكور، غير أنه يمكن التغلب على ذلك، عبر إجراء استفتاء على تعديلهما.

وتنصّ المادة 26، على تحديد مدة الولاية الرئاسية، وتفاصيل الانتخابات، كما تحدد السن القصوى لمن يحق له دخول السباق الرئاسي. وتنصّ المادة 28، على أنه "يُمكن إعادة انتخاب رئيس الجمهورية لمرة واحدة فقط".

ولاقت الوثيقة لدى عرضها، قبولاً أوليّاً من أغلب الأطراف داخل المنتدى، وفقاً لما أفادت به مصادر "العربي الجديد". غير أن بعض الأطراف أبدت تحفّظها، كحزب "تكتل القوى الديمقراطية"، بزعامة أحمد ولد داداه، الذي يرأس المنتدى حاليّاً.

وعيّن الرئيس عبد العزيز، يوم الاثنين، رئيس الوزراء السابق، ملاي ولد محمد الأغظف، فى منصب الأمين العام لرئاسة الجمهورية، وسط أنباء عن تكليفه مهمة الحوار مع المعارضة، وإنجاز اتفاق سياسي معها، مستفيداً من تجربته السابقة في الحوار مع المعارضة، خلال رئاسته الحكومة إبان اتفاقية "داكار" بين النظام الموريتاني والمعارضة عام 2009.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي، محمد الأمين ولد الفاضل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "التعديل الدستوري المقترح، هو من بنات أفكار رئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، وقد تحمّس له النظام لسببين".

وشرح الفاضل "في السبب الأول، يريد النظام أن يُظهر للشعب الموريتاني، بأن المعارضة لا تبحث إلا عن مصالح شخصية لقادتها، تحديداً في بند رفع سنّ الترشح إلى رئاسة الجمهورية. ويتعلق السبب الثاني بأن السلطة ربما تفكر في إضافة ولاية رئاسية ثالثة، وإن كانت لا تستطيع التصريح بذلك الآن، إلا أنها تفكر فيه، وتنتظر الظروف الملائمة لإعلانه. والقبول برفع سن الترشح، قد يجعل المستفيد منه يتقبل السماح بتعديل الدستور ليسمح بولاية ثالثة". ويضيف "وفي ما يخصّ قبول السلطة بالوثيقة، فلأنها باتت أكثر وعياً بالمخاطر من حولها، وقد يكون الجانب الاقتصادي والضغط الدولي، من طرف بعض الدول، سببين رئيسيين في رضوخها للحوار".

من جانبه يلخص الكاتب الصحافى، سيد أحمد ولد باب، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، الأسباب، بـ"الضغوط الخارجية والرغبة الداخلية في تهدئة الأوضاع، من أجل ولاية رئاسية هادئة، بعد الأزمة التي عاشتها البلد". ويتوقع ولد باب، قبول المعارضة بالحوار لأنها "تبحث عن حل يعيدها للعملية السياسية، بعد خطأ مقاطعة انتخابات نوفمبر 2013، كما أن التطورات العربية والإقليمية، تجعل من رهانها على الشارع غير مناسب".

من جهته، تحفّظ رئيس مركز "الصحيفة للدراسات الاسراتيجية"، عبد الرحمن ولد حرمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، على تسميتها بـ"الوثيقة"، معتبراً أنها "أقرب إلى مذكرة لتسجيل الملاحظات". وشكك حرمه في مصداقية الوثيقة، وقال إنه "لا يُمكن الجزم بأنها مقدمة من طرف الحكومة للمعارضة، إذ لم يصدر حتى الآن، ما يؤكد نسبتها للنظام".

وأضاف أن "الهدف من تسريبها، قد يكون لاستكشاف مدى صلابة موقف المعارضة، وربما احداث انقسام في صفوفها، إذ أن هناك من سيُبادر للترحيب بهذه الشروط في حال طرحها النظام فعلاً". ويؤكد أن "الحكومة الحالية هي حكومة رئيس الجمهورية، لا حكومة الأغلبية الداعمة له كونها لا تمثل أحزابها ولا مكوناتها".

وحذّر حرمه من "مغبة إجراء تعديلات دستورية لإلغاء تحديد السن القصوى للترشح لرئاسة الجمهورية"، معتبراً أن "هذه النقطة قد تضرّ بالمعارضة وتجعل مصداقيتها محل شك لدى الرأي العام الموريتاني، ويجعل من زعمائها طلاب مناصب لا مدافعين عن الشرعية الدستورية".

المساهمون