النظام السوري يواصل سياسة "التسويات" تهرباً من الحل السياسي

09 اغسطس 2024
القنيطرة عند نقطة حدودية مع الجولان المحتل، 26 مارس 2019 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

ينظر النظام السوري في تمديد "تسوية" شرع بها في محافظة القنيطرة جنوب غربي سورية، منذ الأحد الماضي، للمطلوبين لأجهزته الأمنية المتعددة أو المنشقين عن قواته، والتي تأتي في سياق محاولات فرض هذا الأسلوب بديلاً عن تطبيق مضامين القرارات الدولية لحل القضية السورية. وذكرت وسائل إعلام النظام، أمس الخميس، أن "حصيلة عملية التسوية في القنيطرة، بلغت حوالي خمسة آلاف شخص، من أبناء المحافظة والمخيمات والوحدات الإدارية التابعة لها في ريف دمشق"، مشيرة إلى أن النظام ربما يمدد العملية حتى الأحد المقبل "بسبب كثافة الإقبال"، وفق زعمها. وكان النظام شرع في هذه التسوية، يوم الأحد الماضي، تشمل "الفارين من الخدمة العسكرية أو الشرطية والمتخلفين عن الخدمتين الإلزامية والاحتياطية، ومن عليه مشاكل أمنية أو عسكرية، وكل من حمل السلاح".

رواية النظام السوري لتسوية القنيطرة

وبحسب اللجنة العسكرية والأمنية في محافظة القنيطرة، سيُمنَح المتخلفون عن الخدمتين الإلزامية أو الاحتياطية في قوات النظام السوري تأجيلاً لمدة ستة أشهر لتسوية أوضاعهم والالتحاق بالخدمة، مع شطب أسمائهم من اللوائح الأمنية. كذلك، يُمنَح العسكري الفارّ، أمر ترك قضائياً لمدة 15 يوماً للالتحاق بوحدته العسكرية التي فرّ منها، أو الالتحاق بتشكيلات المنطقة الجنوبية، ويُشطَب اسمه من اللوائح الأمنية. ومن يرغب في الخدمة في تشكيلات المنطقة الجنوبية حصراً، عليه الالتحاق الفوري بعد المثول أمام لجنة التسوية.

أما الشرطي الفارّ، فيُمنَح أمر ترك قضائياً لمدة 15 يوماً للالتحاق بوحدته الشرطية، ويشطب اسمه من اللوائح الأمنية. وبالنسبة إلى حمَلة السلاح تُشطَب أسماؤهم من اللوائح الأمنية بعد تسليم سلاحهم، ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، وإن شوهدوا يحملون السلاح لاحقاً، تُشطب أسماؤهم من لوائح التسوية. بيد أن مصادر محلية أكدت أن العدد الذي أعلن عنه النظام السوري "مبالغ فيه"، والهدف منه الإيحاء بأن التسوية "قد نجحت" في القنيطرة، مشيرة إلى أن أغلب المطلوبين للنظام غير موجودين أصلاً في المنطقة، فهم إما ذهبوا إلى الشمال أو هاجروا إلى بلدان أوروبية.

محمد السعيد: رواية النظام عن تقدم خمسة آلاف للتسوية في القنيطرة غير صحيحة

وفي السياق، أوضح الناشط الإعلامي محمد السعيد الموجود في جنوب سورية، لـ "العربي الجديد"، أن رواية النظام السوري عن تقدم خمسة آلاف للتسوية في القنيطرة "غير صحيحة"، موضحاً أن "العدد لا يتجاوز العشرات ممن تخلّفوا عن أداء الخدمة الإلزامية في قوات النظام". ووصف التسوية التي تجري بـ"الدعائية"، مضيفاً أن "النظام يريد الإيحاء بأنه يهتم بحل المشكلات الأمنية، فيما المتخلفون عن الخدمة يقدّر عددهم بالآلاف بالمحافظات السورية، والذين يتقدمون لتسويات بالعشرات، ما يعني فشل سياسة النظام".

وتعد التسوية في محافظة القنيطرة محطة جديدة لقطار التسويات الذي بدأه النظام قبل سنوات للترويج لفكرة أنه خرج منتصراً من الصراع، وأنه بهذه التسويات يمنح الأمان لمعارضيه. ويُنظر إلى هذه التسويات على أنها محاولة مكشوفة للتهرب من استحقاقات الحل السياسي والتي حددتها قرارات دولية خصوصاً القرار 2254 (عام 2015 لوقف إطلاق النار والانتقال السياسي)، فهو يدفع باتجاه فرض هذه التسويات بديلاً لمضامين القرار. وأجرى النظام السوري تسويات في كل المناطق الخاضعة لسلطته، للمطلوبين أمنياً والمنشقين عن قواته، أو الذين انتسبوا إلى فصائل الجيش السوري الحر خلال سنوات الثورة (منذ 2011). لكن النظام اتخذ من هذه السياسة سبيلاً لإلقاء القبض على المئات من معارضيه وتعذيبهم حتى الموت في المعتقلات، رغم حصولهم على أوراق تثبت قيامهم بالتسوية.

اعتقال تعسفي

وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد أكدت في تقرير لها صدر مطلع العام الحالي أنها وثقت ما لا يقل عن 386 حالة اعتقال تعسفي أو احتجاز في عام 2023 لأشخاص أجروا تسويةً لأوضاعهم الأمنية. وأوضحت أن هذه الاعتقالات تركَّزت في محافظات ريف دمشق ودرعا ودير الزور والرقة، وحصل معظمها ضمن حملات دهم واعتقال جماعية. ويمنح النظام السوري المنشقين عن قواته مهلة ستة أشهر للالتحاق بالوحدات التي انشقوا عنها في مسعى منه لدفع هؤلاء للخروج إما إلى الشمال السوري أو الهجرة من سورية عن طريق لبنان، إذ سهّل لهم إجراءات الحصول على جوازات سفر.

رشيد حوراني: النظام يحقق في مراكز إجراء التسويات لتحصيل المعلومات عن  المعارضة ونشاطاتها

وتعليقاً على التسويات الحاصلة في محافظة القنيطرة، رأى المحلل العسكري في مركز جسور للدراسات، رشيد حوراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن النظام السوري "يبالغ إعلامياً في الأعداد التي تقدمت للتسويات". وأضاف أن النظام السوري "له سوابق في ذلك سواء في تسويات دير الزور التي روج لها النظام كثيراً أواخر 2021 والتي جاءت بعد تسويات محافظة درعا في حينه". ولفت إلى أنه "في ما يتعلق بالتسويات التي تُجرى في القنيطرة، فقد لجأ إليها النظام مدفوعاً بعدة أسباب، منها: معرفته بعدد المتخلفين عن الخدمة العسكرية والاحتياطية الذين يريدون البقاء في مناطقهم عبر الرشى التي يدفعونها لعناصر الأجهزة الأمنية".

وأشار إلى أن هذه الأجهزة "تريد الضغط على المطلوبين لها أو المنشقين عن قوات النظام، لدفعهم لتسوية وضعهم سواء بالخدمة الفعلية أو دفع البدل النقدي وفق القوانين التي أعلنها أخيراً". وبيّن أن النظام "يجري تحقيقات مستفيضة مع الذين يأتون إلى مراكز إجراء التسويات لتحصيل أكبر قدر من المعلومات عن الشخصيات المعارضة ونشاطاتها في المنطقة، سواء السابقة أو الحالية".

وكان النظام السوري قد فرض سيطرته على محافظتي درعا والقنيطرة في جنوبي سورية، منتصف عام 2018، بعد تسوية رعاها الجانب الروسي، كانت السبب بإشاعة الفوضى الأمنية خصوصاً في درعا. وكان "الجيش السوري الحر" قد فرض سيطرة شبه كاملة على محافظة القنيطرة المتاخمة للجولان السوري المحتل، ما خلا المدينة التي تحمل الاسم ذاته. وتُعتبر القنيطرة أصغر المحافظات السورية لجهتي المساحة والسكان، وتضم العديد من البلدات التي يقطنها عرب وشركس وتركمان.

المساهمون