من المدرسة إلى البرلمان

02 نوفمبر 2016
(عماد حجّاج، "العربي الجديد")
+ الخط -

على مدى 12 عامًا، وبواقع ست ساعات يوميًا بالحد الأدنى، لا يتعلم الطالب في مرحلة المدرسة من الموسيقى سوى "عاش عاش"، و"طلع البدر علينا"، وقد يتعلم أغنية أخرى يردّدها بقية رحلته الدراسية السنين الباقية من عمره في المهرجانات والمناسبات التي سيُدعى إليها مشرفون من وزارة التربية لتقييم المدير على إبداعه في إدارة المدرسة.

من سينتج الفن إذن؟ ومن سيسمعه إن أُنتج؟ وكيف أغنية كـ "عظامه تطقطق" لن تلاقي رواجًا، وفي بعض الأحيان، تبريرًا من "نجوم" بحجة مقاومة العدو.


على مدى 12 عامًا، وبواقع خمسة أيام في الأسبوع، تدرس الفلسفة في سنتك الأخيرة بوحدة صغيرة فيها من كل بحر سطر؛ حتى أنه يرد في بعض السطور كثير من الأخطاء المعرفية. لا يزال المعلم يقرأ الدرس ويقسم لك الفقرات على شكل أسئلة "علل" و"اذكر" لتبصم وتجيب في الامتحان.

خمسة أيام في الأسبوع وبواقع ست ساعات يوميًا، لن تضيف لمعلوماتك أهم من إنجازات الحاكم والحكومات المتعاقبة، ونقد نظرية دارون بالروحانيات. ستدرس الشعر، خصوصًا المديح، ومقتطفات من قصص قصيرة عن نملة تحدت الصعاب لتتسلق الحجرة؛ ثم تسأل المعلم سؤالًا لربما أعمق من السياق المطلوب. قد يذهب بك السؤال إلى الإدارة، ومجالس الضبط والإنذارات. هكذا، تتحوّل المدرسة إلى فرعٍ أمني يضمّ غرف تحقيق.

الوقوف للمعلم خوفًا وليس تبجيلًا، "تمسيح الجوخ" من أجل الحصول على علامة أفضل. السكوت دائمًا عن الأخطاء والمساوئ وما لا يعجبنا. نخاف المعلم والمشرف وعريف الصف والمدير. يخاف المعلم من المدير والمدير من المشرف، وهكذا.. لم نتعلم كيف نناظر، كيف نبحث عن الحق، كيف نرفض ما لا نراه مناسبًا: قطيعٌ وعليه إتمام المرحلة بأقل خسائر ممكنة.

أذكر أننا تعلمنا الكذب أيضًا، تحديدًا عندما كان يزورنا مشرف من الوزارة؛ فينسق معنا المعلم تمثيلية عن درس شرحه لنا سابقًا ويوزع علينا الأسئلة والأجوبة، لنظهر بصورة الصف المثالي. المعلم، بالمناسبة، ليس شريكًا فقط، بل ضحية أيضًا؛ فهو مهان في عيشه وقيمته، ويضطر إلى فعل أي شيء بهدف إنقاذ حياته الوظيفية التعسة، للسير إلى جانب الحائط وجر جيل كامل إلى الحائط ذاته.

هكذا، نتساءل: ما الذي تخرّجه مدارسنا إذن؟ إعلاميون غير مهنيين، بل قد يكونون محرّضين أيضًا. مشاهير هلاميون ينتشرون على مواقع التواصل الاجتماعي، همّهم السخرية من بعض المثقّفين بطريقة فجّة، والتعامل معهم على أنّهم "شاذّون" عن المجتمع، بينما هم لا يفعلون شيئًا سوى التكسّب من خلال السوشيال ميديا وتعزيز الهشاشة الفكرية.

سينتج عن هذا برلمان لا يخلو من بعض البلطجيّة؛ أحدهم قُتلِت طفلةٌ بعيارٍ طائش أثناء احتفاله بفوزه في الانتخابات. برلمان ينفّذ أوامر الحكومة، لنجد أنّ مقتل ناهض حتّر لاقى ترحيبًا وسط بعض القطاعات الشعبية. ثقافة كراهية تشرّبوها من المناهج الدراسية، تُتيح لهم التدخّل بحياة البشر وصياغة مقولاتهم نيابةً عنهم.

خارج البرلمان، ثمّة برلمان آخر، يتمثّل بمن يعتلي منابر خُطب الجمعة أيضًا، هؤلاء الذين يباركون ما يفعله مجلس النواب وما يتّخذه من قرارات، ويحرّضون ضد كل من يعترض عليها. ثمّ نستمع إلى موشّح الدولة الطويل: سنحارب الإرهاب.


(الأردن)

المساهمون