منى دزدار

27 مايو 2016

منى دزدار مع الرئيس الرئيس النمساي هاينز فيشر (18مايو/2016/Getty)

+ الخط -
سمعت السياسية النمساوية من أصول فلسطينية، منى دزدار، أول مرة، في ربيع عام 2014، في أثناء زيارة سريعة لي إلى فيينا. حدثتني صديقة في الخارجية النمساوية عن محامية شابة فلسطينية، وعضو في الحزب الاشتراكي النمساوي. وقبل أيام، عيّن المستشار النمساوي، كريستيان كيرن، منى دزدار وزيرة دولة في حكومته الحالية، لتكون أول وزيرة من أصول عربية فلسطينية مهاجرة في الحكومة النمساوية. مولودة في النمسا عام 1978، تلقت تعليمها الثانوي والجامعي في فيينا، وفي جامعة السوربون في باريس، حيث حصلت على شهاداتها في القانون الدولي، لتجمع بين عملها في القانون وعملها السياسي في صفوف الحزب الاشتراكي الذي انتمت إلى منظمته الشبيبة مبكراً، وارتقت في المسؤوليات الحزبية، إلى أن رشحت لتكون عضواً في برلمان فيينا. والد منى دزدار لاجئ فلسطيني من سكان الأردن، وجاء إلى فيينا، حيث ولدت منى، ليعمل موظفاً في منظمة التنمية الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة.
التقيت منى دزدار أول مرة في فيينا قبل عام، وأحببت فيها طموحها وشعورها المطمئن تجاه هويتها النمساوية التي لا تتناقض بتاتا مع أصولها الفلسطينية العربية. منذ تم تعيينها وزيرةً، لم تتوقف التقارير الصحفية النمساوية من جهة، والعربية من جهةٍ أخرى، عن الحديث عن تعيين أول امرأة مسلمة في الحكومة النمساوية، فالنمساويون وخاصة في أوساط اليمين أحزاباً وأفرادا يؤكدون على خلفية منى الدينية وانتمائها الى الإسلام ديناً لعائلتها، في ظل البارانويا التي تجتاح الغرب من الإسلام والإسلاميين، وما يشهده عالمنا العربي من الإرهاب الذي ترتكبه الجماعات الإسلامية المتطرفة في العالم، تلك البارانويا التي تستهدف خيارات الحزب الاشتراكي في ظل موجات اللاجئين، وفي ظل احتدام الانتخابات الرئاسية التي خاضها اليمين، تحت شعارات مناهضة اللجوء، ورفض سياسات الدولة في هذا الموضوع، خصوصاً أن تعيين دزدار وزيرةً جاء قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية التي فشل فيها اليمين بفارق بسيط.
وهناك من المسلمين والعرب من هلل وطبّل لتعيين دزدار، اعتبروه فوزاً للعرب وفلسطين والإسلام، كما يحصل عادة في البلدان الديمقراطية التي يفوز فيها أشخاص من أصول عربيةٍ أو مسلمة بمنصب رفيع فيها، غافلين عن الواقع الذي يقول إن الانتماءات القبلية والعشائرية والقومية، بنسخها العربية، غير موجودة في هذه الديمقراطيات، فالمسؤول الحكومي في دول الغرب لا ينتمي إلّا لمصلحة بلده ومجتمعه، ولا يوجد في هذه البلاد انتماء مزدوج للعائلة أو الطائفة أو الدين أو القومية أو الزعماء، فالذي جعل منى دزدار وزيرةً في الحكومة النمساوية هو اجتهادها وجهدها في صفوف الحزب الاشتراكي، بسياساته الحكيمة تجاه اللاجئين والشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، وهذا كله انطلاقاً من المصلحة العليا للنمسا، وما على العرب والفلسطينيين والمسلمين سوى أن يفخروا ويشيدوا، ليس بأصول المندمجين في دول الغرب، العربية والفلسطينية والإسلامية، إلى درجة التعامل معهم مواطنين كاملي المواطنة وتسلمهم المسؤوليات الحكومية، بل بالنظام الديمقراطي ومبادئ المواطنة الحرة المفقودة في بلادنا.
تحدّثنا، في لقاء لي مع منى دزدار، عن الأيقونة القومية للنمسا المستشار الراحل، برونو كرايسكي، الذي أقوم ببحث عنه، وعن علاقته بالراحل ياسر عرفات، لفيلم وثائقي، وأذكر أن منى دزدار سارت في اللاوعي على طريق كرايسكي، فهو درس القانون، وانتمى إلى الحزب الاشتراكي يافعاً، مثلها تماماً، قلت لها إنك ابنة الحقبة الكرايسكية، فلو لم يؤسس كرايسكي لهذه القيم في النمسا، فربما لن تكون طريقك سهلة، وخاصةً بعد تضعضع الاشتراكية الدولية بانتهاء الحرب الباردة.
كان كرايسكي قد وضع بالتشاور مع عرفات ملامح حل عادل للفلسطينيين، لم يتحقق منه شيء، غير أن منى دزدار كانت ثمرةً طيبةً من الثمرات التي نثرها كرايسكي، قبل ولادة هذه الشابة فلسطينية الأصول.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.