مكاسب بالجملة لإسرائيل لقاء تعاونها مع السيسي

06 فبراير 2018
تستفيد إسرائيل من المجال الجوي لسيناء للتدريبات(جاك غيز/فرانس برس)
+ الخط -
على الرغم من أن التقرير الذي نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" السبت، لم يكن الأول الذي كشف النقاب عن سماح نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لسلاح الجو الإسرائيلي بتنفيذ غارات في عمق سيناء ضد أهداف لتنظيم "ولاية سيناء"، إلا أنه كشف، في المقابل، عن معلومات ذات دلالات كبيرة. فبخلاف ما نشره موقع "بلومبيرغ" قبل عام ونصف العام حول أن إسرائيل استخدمت فقط وسائط طيران غير مأهولة في تنفيذ الغارات، فإن "نيويورك تايمز" أشارت إلى أن طائرات نفاثة من طراز "إف 15" أو "إف 16" ومروحيات "أباتشي" شاركت في تنفيذ الغارات الإسرائيلية في سيناء. وهذا يدفع للتساؤل حول مسوغات استعانة نظام السيسي بالطائرات النفاثة ومروحيات "أباتشي" الإسرائيلية، مع العلم أن الجيش المصري يملك بالفعل مثل هذه الطائرات. فقد كان يمكن للجيش المصري أن يكتفي بالمعلومات الاستخبارية التي تنقلها إليه الاستخبارات الإسرائيلية في تنفيذ الغارات التي تستهدف تنظيم "ولاية سيناء"، تماماً كما تزود الولايات المتحدة التحالف في اليمن بالمعلومات.

من هنا، فإن قيام الطائرات الإسرائيلية النفاثة والمروحية بتنفيذ غارات في سيناء، يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول مصداقية الرواية المصرية والإسرائيلية حول موافقة تل أبيب على فتح الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد، بحيث يتم السماح للطيران المصري بحرية العمل في شمال سيناء.

إلى جانب ذلك، فإن العوائد التي تجنيها إسرائيل من التعاون الأمني مع نظام السيسي في سيناء، وبخلاف ما ورد في تقرير "نيويورك تايمز"، لا تقتصر فقط على حقيقة أن "ولاية سيناء" يمثل تحدياً لها وللسيسي، وبالتالي فإن ضرب التنظيم يعد إسهاماً للأمن الإسرائيلي أيضاً، بل هناك دلائل على أن إسرائيل تستغل هذا التعاون في مراكمة مكاسب أمنية أخرى. فهناك ما يشير إلى أن نظام السيسي يغضّ الطرف عن عمليات استخبارية تقوم بها إسرائيل في عمق سيناء. فقبل عامين اختفت آثار الشاب الفلسطيني وائل أبو ريدة، من خان يونس، عندما كان في القاهرة، حيث تم استدراجه إلى سيناء وهناك اختفت آثاره، لتكتشف عائلته في ما بعد أنه معتقل في السجون الإسرائيلية.

كذلك، فإن بعض الغارات الإسرائيلية تستهدف ضرب قدرة حركة "حماس" والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بشكل عام على الحصول على السلاح من خلال ضرب أنفاق تهريب أو عربات تنقل السلاح. في الوقت ذاته، فإن تعمّد المسؤولين الإسرائيليين تسريب المعلومات بشأن التعاون مع نظام السيسي في سيناء، يرمي أيضاً إلى تعزيز قوة الردع الإسرائيلية في مواجهة "ولاية سيناء" وحركات المقاومة الفلسطينية من خلال تكريس انطباع بأن يد إسرائيل "طويلة ويمكن أن تصل إلى أي مكان".

لكن أكثر ما يمكن أن تستفيد منه إسرائيل عسكرياً لقاء التعاون الأمني مع نظام السيسي، يتمثّل في إمكانية استخدام المجال الجوي المصري فوق سيناء في عمليات التدريب والمناورة لسلاح الطيران، إذ إن إسرائيل تواجه مشكلة كبيرة تتعلق بضآلة مجالها الجوي قياساً بالمهام الكبيرة التي يتدرب سلاح الطيران على تنفيذها. فبعد أن تدهورت العلاقة مع أنقرة، توقفت تركيا عن السماح لسلاح الجو الإسرائيلي بالتدرب في أجوائها الواسعة. وبعد أن انتقل سلاح الجو الإسرائيلي للتدرب والمناورة في أجواء اليونان ورومانيا، واجهته مشكلة تتمثل في عوائق طوبوغرافية، وأدى تحطم إحدى مروحياته أثناء تدريبات في رومانيا لدفعه إلى وقفها بشكل كامل.


ويمثّل المجال الجوي لسيناء فضاء مناسباً لإجراء المناورات، لا سيما أن سيناء تُتاخم صحراء النقب، التي تحتضن عدداً من المطارات الإسرائيلية التي تنطلق منها الطائرات التي يمكن أن تجري تدريبات ومناورات. وعلى الرغم من أن أياً من وسائل الإعلام لم تشر إلى استخدام المجال الجوي المصري في سيناء من قبل إسرائيل في تنفيذ عمليات التدريب، فإنه في ظل التقارب الشديد بين تل أبيب والقاهرة وفي ظل المشكلة التي تواجهها إسرائيل في كل ما يتعلق بضآلة المجال الجوي، من غير المستبعد أن يستخدم الاحتلال المجال الجوي السيناوي في تنفيذ عمليات تدريب ومناورات جوية.

إلى جانب ذلك، فإن هناك عوائد سياسية جمّة تحصل عليها إسرائيل مقابل التعاون الأمني في سيناء وجهود حكومتها في العمل على تأمين شرعية لنظام السيسي في الساحة الدولية. وهناك ما يدل على أن نظام السيسي يتعاون مع كل من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب وحكومة اليمين المتطرف في تل أبيب في التمهيد لـ"صفقة القرن"، التي تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. فالكشف عن التسجيلات التي أظهرت أن ضباطاً في المخابرات العسكرية المصرية يطلبون من إعلاميين وفنانين مصريين حث الجماهير المصرية على عدم الاعتراض على قرار ترامب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل، إلى جانب عدم إقدام النظام في القاهرة على أي تحرك جدي ضد القرار الأميركي، يشير إلى إسهام مصري في التمهيد للصفقة.

إضافة إلى ذلك، فقد سبق أن عمل نظام السيسي بشكل صريح على إحباط مشاريع التسوية والقرارات الدولية التي ترى حكومة تل أبيب أنها تتعارض مع مواقفها ومصالح إسرائيل. فعندما قدّمت فرنسا قبل عامين مبادرتها لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تدخّل السيسي في محاولة لإحباط المبادرة من خلال طرح "المبادرة المصرية"، وذلك في خطاب ألقاه في أسيوط في 17 مايو/ أيار 2015. وحاول نظام السيسي إحباط مشروع قرار مجلس الأمن 2334، الذي يدين الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية والقدس، بعد أن قام بسحب مشروع القرار تحت ضغط واشنطن وتل أبيب. ولم يتردد السيسي في محاولة مساعدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على توسيع حكومته من خلال ضم حزب "العمل"، وذلك من خلال دعوة كل من نتنياهو وزعيم "العمل" إسحاق هيرتسوغ لزيارة القاهرة سراً مطلع 2016، وهي الزيارة التي كشفت عنها صحيفة "هآرتس" أخيراً. وكانت المفارقة أن نتنياهو هو الذي تخلى في النهاية عن فكرة ضم حزب "العمل"، بل اتجه لضم حزب "يسرائيل بيتينو" (إسرائيل بيتنا)، الذي يقوده وزير الأمن الإسرائيلي الحالي أفيغدور ليبرمان، الذي هدد يوماً بتدمير السد العالي.